الارتفاع الجنونى الذى شهدته أسعار اللحوم فى مصر خلال الأيام القليلة الماضية، لم يؤثر على الزبائن الذين يرغبون فى شراء اللحم البتلو والكندوز فقط، إنما امتد إلى لحوم «الغلابة» التى لا تزيد على كونها «حلويات» اللحوم السمينة ك«الفشة والكرشة والممبار والنخاع والنفوس». أمام مدبح زينهم، تجلس أم محمد التى يزيد عمرها على الخمسين بأربع سنوات، وهى تمسك بسيجارتها التى لا تفارق أصابعها مطلقا، وأمامها «طشت» كبير تضع فيه عدة كيلو جرامات من الممبار وإلى جانبه طبق صغير عليه كميات محدودة من الفشة والكرشة، تنتظر خلال ساعات عملها الطويلة التى تمتد من الثامنة صباحا وحتى السابعة ليلا قدوم الزبائن، لكن الارتفاع الكبير الذى شهدته أسعار بضاعتها فى الأشهر الماضية، جعل عشرات الزبائن يحجمون عن الشراء: «أنا زباينى من الناس الغلابة، وأسعار الحلويات زادت جدا وخلت الفقراء مش عارفين يشتروها»، وتحكى «أم محمد» بغضب عن زيادة أسعار «الحلويات» التى تشتريها من أصحاب المزارع والماشية قائلة: «كنت ببيع النفوس البقرى ب 15 و20 جنيه، دلوقتى تمنها وصل ل25، والممبار بعد ما كنت ببيعه السنة اللى فاتت ب 10 جنيه، وصل سعره ل 15، والحكومة هى اللى بتعلى الأسعار على الغلابة، والله حرام، الناس خلاص ما بقتش لاقية تاكل». تعمل «أم محمد» فى تلك المهنة منذ ما يزيد على أربعين عاما، رأت خلالها كيف تغيرت أحوال الزبائن ونوعياتهم خلال تلك السنوات الطويلة: «لما كنت ببيع أرخص كنت بكسب أكتر من دلوقتى بكتير، أصل زمان كان الزبون بييجى يشترى بال 5 كيلو مرة واحدة، عشان الأسعار كانت حنينة وعلى قد مقدرتهم، لكن دلوقتى لما بييجى زبون بيشترى كيلو بالكتير»، وعلى الرغم من زيادة شرائح الزبائن التى أصبحت تقبل على شراء الحلويات من «أم محمد» كنتيجة لارتفاع أسعار اللحوم، فإن ذلك لم يؤثر على مبيعاتها: «الزبون بقى بييجى يسأل الأول على سعر اللحمة ولو لقاها غالية، يجيلى أنا ويشترى منى، زمان كنت ببيع 70 كيلو فى اليوم، دلوقتى لما ببيع 30 بقول رضا». إلى جوار أم محمد يفترش العديد من السيدات اللاتى يبعن حلويات اللحوم، منهن «أم أحمد» التى يعلو صوتها دائما بسبب «مفاصلة» الزبائن، الذين يشكون من ارتفاع الأسعار لترد عليهم قائلة: «وأنا أعمل إيه يعنى، ما أنا كمان بقيت بشتريها غالية، وغصب عنى ببيعهالكم بالسعر ده»، خلافات أم أحمد المستمرة مع زبائنها لا تجعلها تفقد تعاطفها الشديد معهم: «والله كلهم غلابة زيى، هيلاقوها منين ولا منين، أنا كمان متضايقة إن الأسعار غليت لأن ده بيخلى الزباين أقل». أما الأختان ظاظا ونحمده، فجلستا تتذكران الأيام القديمة عندما كان كيلو الكرشة يباع ب75 قرشا، قبل أن يرتفع ثمنه ليصل إلى 8 جنيهات، وإن ظلتا تؤكدان أن ارتفاع أسعار اللحوم ما هو إلا شائعة تشتكى منها فقط الطبقات المرفهة فى الزمالك ومصر الجديدة، إنما فى منطقة زينهم التى يعيشون فيها كل شىء تمام ولا يوجد أى شكاوى.
