تطرق الانتخابات البرلمانية أبواب العراق، بعد 3 أيام، وسط مخاوف من أن تكرس نتائجها الطائفية العرقية بين سنة وشيعة وأكراد، يضاف إليهم المستقلون، الرافضون لتوحش المذهبية السائدة حاليا على المشهد السياسى فى بلاد الرافدين. ووسط تلك المخاوف، يبرز النفوذ الخارجى كخطر رئيسى لاعب أيضا على الساحة الداخلية، يحرك طوائفه الداخلية وفق أجنداته الخاصة، فمن واشنطن إلى طهران، مرورا بفضاء الخليج العربى، تتنافس القوى الكبرى وتضيع حقيقة الانتماءات السياسية للأحزاب الداخلية القائمة، والتى تخوض السباق الانتخابى على أسس يحكمها التحزب والتمويل الخارجى، حتى أصبح العراقيون يتندرون على حالهم، معتبرين أن «50 دولة» على الأقل تتدخل فى سير عمليتهم الانتخابية! الساحة الحزبية فى العراق.. تعددية بلا ضوابط يُوصَف الوضع السياسى فى العراق حالياً بالغائم والمضطرب، حيث تتواجد أحزاب طائفية وأخرى علمانية ودينية ومستقلون، وسط حالة من انعدام الضوابط والأطر للأحزاب والكتل السياسية، مردها الأول الإطار السياسى الذى وضعه الحاكم المدنى الأمريكى فى العراق بول بريمر، والثانى عدم إقرار قانون للأحزاب حتى الآن. فالإطار والتقسيم السياسيان اللذان حددتهما حكومة الاحتلال فى عهد بريمر، وتأسس فى ضوئهما مجلس الحكم الانتقالى فى يوليو 2003، مستمران حتى الآن، بحسب الباحث والأكاديمى العراقى يحيى الكبيسى، الذى قال ل«المصرى اليوم» إن العامل الثانى هو حرص القائمين على العملية السياسية وإصرارهم على عدم إقرار قانون للأحزاب فى العراق، مما أفضى إلى بقاء الساحة السياسية مشروعة أمام الجميع دون ضوابط. كانت الأحزاب الرئيسية التى ظهرت فى الساحة بعد الغزو الأمريكى للعراق ، قد انقسمت إلى أحزاب ذات صبغة طائفية واضحة، فيما أطلق عليه «الإسلام السياسى» المتصاعد، وهذه الأحزاب هى الحزب الإسلامى السنى، وحزب الدعوة، والمجلس الإسلامى الأعلى، وحزب الفضيلة والتيار الصدرى الشيعى، والحزبان الكرديان، الديمقراطى الكردستانى والاتحاد الوطنى الكردستانى، إضافة إلى الأحزاب العلمانية المتمثلة فى حركة الوفاق، بزعامة إياد علاوى والمؤتمر الوطنى برئاسة أحمد الجلبى، والحزب الشيوعى العراقى، الذى يرأسه حميد مجيد موسى. وعن أبرز الكيانات الحالية من المشاركين فى الانتخابات يقول المحلل العراقى عبد الستار العبيدى، ل «المصرى اليوم» إن أسماء عديدة ظهرت ولا يمكن إغفالها، فهناك الحركة الإسلامية الكردية فى شمال العراق، وحزب الأمة الذى يتزعمه مثال الآلوسى، وحركة التغيير التى يرأسها نشروان مصطفى، الذى انشق عن الاتحاد الوطنى الكردستانى بزعامة جلال الطالبانى، إضافة إلى كتلة الوحدة الوطنية بزعامة نهرو عبد الكريم ، وائتلاف وحدة العراق بزعامة جواد البولانى، والجبهة العراقية للحوار الوطنى التى تم استبعاد رئيسها الدكتور صالح المطلك. وفيما تزدحم الساحة العراقية بالأحزاب والتكتلات السياسية، يكتسب المستقلون خصوصية نابعة من «تبرؤهم من كل ما حصل ويحصل فى العراق، حيث الدمار والخراب والفوضى وغياب الخدمات» ففرضوا أنفسهم على الساحة وأصبحوا يشكلون أحد أبرز الظواهر الانتخابية فى العراق الآن. لذا يرى السياسى العراقى حسين الفلوجى أن فرصهم أوفر من هذه الزاوية فقط رغم شدة الطائفية على الساحة الفعلية، فهم يراهنون على رفض العراقيين للطائفية والفئوية. كما يؤكد الفلوجى أن إصرار الأحزاب والكتل الكبيرة فى البرلمان على عدم إقرار قانون خاص ينظم العمل الحزبى فى العراق بعيداً عن الطائفية والعرقية والفئوية والمصالح الذاتية، يأتى بسبب مخاوف هؤلاء من خروج غالبيتهم من ميدان العمل السياسى، وأى قانون للأحزاب لا يمكن أن يسمح بعمل هذه الأحزاب الطائفية والعنصرية، لأن ذلك يتقاطع مع مصلحة البلد العليا . الانتخابات المفترض أنها ترسى الديمقراطية والتعددية، يُخشى منها فى هذا السياق أن تشكل خطورة تعمل على تجذير الطائفية والعرقية فى البلاد، لأن هذه الأحزاب ستتسيد البرلمان والحكومة لمدة 4 سنوات، قد يتم من خلالها توطين هذا النموذج السياسى، كما حدث فى لبنان. ويتوقع مراقبون أن تختلف التشكيلة التى ستخرج فيها الانتخابات الحالية كثيراً عن تلك التى أفرزتها انتخابات 2005، وستكون الأحزاب الطائفية والعرقية هى المسيطرة على البرلمان والحكومة. نفوذ خارجى شديد فى اللعبة الانتخابية.. الأحزاب العراقية تتنافس.. والنتائج تحسم السباق الأمريكى -الإيرانى ينظر المتابعون للانتخابات العراقية فى ترقبهم لسيرها، بعين داخل البلاد، وأخرى حائرة بين الولاياتالمتحدةالأمريكيةوإيران، القوتان المتدخلتان الأبرز فى سير العملية الانتخابية. بينما يتداول العامة فى أحاديثهم ونقاشاتهم التدخل الكبير فى الشأن الداخلى لبلادهم، معتبرين أن ما لا يقل عن «50 دولة» تتدخل فى الانتخابات وغيرها. مع ذلك يختلف الداخل العراقى حول ما إذا كان هناك تدخل واسع فى الشؤون السياسية، فالبعض يرى أن فى تلك الاتهامات تكريسا للتحزب والطائفية، فى حين يرى الغالبية أن هذا التدخل موجود رغم إنكار المستفيدين، ويؤثر بصورة مباشرة فى الانتخابات، ويرى أن انعكاساته ستكون سلبية وضارة على الأوضاع فى هذا البلد. خاصة أنه إلى جانب النفوذين الأمريكى والإيرانى، تواجه دول عربية أيضا تهما بلعب أدوار لا تقل خطورة عما تقوم به واشنطنوطهران. يقول حسن البزاز، أستاذ العلوم السياسية فى جامعة بغداد، إن المنافسة على أشدها بين واشنطنوطهران لاستحواذ كل طرف على أكبر مساحة من القوى السياسية فى الساحة العراقية، ويقول ل«المصرى اليوم»، إن لكل من إيرانوالولاياتالمتحدة أرضية تعتمد عليها فى تثبيت حضورها، فغالبية الأطراف الذين جاءوا بعد الغزو الأمريكى، يعملون بصورة أو بأخرى معها، ويقول هؤلاء باستمرار إنه لولا القوة الأمريكية التى أزاحت النظام السابق لما تمكنا من الوصول إلى السلطة. أما إيران فإن قوتها تنبع من الأحزاب التى تلقت الدعم والرعاية من قبل إيران إبان الحرب العراقية الإيرانية (1980-1988) وأبرز هذه الأحزاب هو حزب الدعوة، الذى يتزعمه رئيس الوزراء نورى المالكى، والمجلس الإسلامى الأعلى الذى يتزعمه حالياً عمار الحكيم. ولا يقل ثقل إيران فى العراق عن الولاياتالمتحدة، وهو ما يفسره المحلل ضياء الراوى بقوله إن الجهات الخاضعة للإدارة الأمريكية معروفة وهى الأحزاب الممسكة بالسلطة، «إلا أن إيران اخترقت العديد من الجهات، وحصل هناك نوع من خلط الأوراق، فعلى سبيل المثال يجد البعض صعوبة فى فصل الولاء لإيران عن الولاء لأمريكا، وخذ مثال أحمد الجلبى ونورى المالكى وعمار الحكيم». أما الكاتب السياسى إبراهيم الصميدعى فيرى أن الحديث عن هيمنة هذا الطرف أو تدخل الآخر كثيرة، «هناك من يستخدم قضية التدخل فى الانتخابات لأغراض دعائية»، ويشدد الصميدعى على أن هذه الاتهامات رغم أن غالبيتها صحيحة، فإنها قد تدفع باتجاه التخندق الطائفى، وشق وحدة الصف العراقى من خلال التأكيد على عمالة هذا الطرف إلى هذه الدولة أو تلك. من جانبه يقول الإعلامى العراقى جلال النداوى ل«المصرى اليوم»: «لا يستطيع أحد إنكار هيمنة أمريكا وإيران على الأوضاع فى العراق، إلا المستفيدين»، مضيفاً أن هذا الأمر أصبح من الأمور المسلم بها. على الطرف الآخر هناك اتهامات لتدخل دول أخرى، إذ أعلن المالكى نفسه فى تصريحات صحفية أن دولاً عديدة تتدخل فى الانتخابات العراقية، وقال على لسان مستشاره الدكتور حسن سلمان إن دول الخليج مثلا وسوريا والأردن تدعم العناصر المناوئة للعملية السياسية.