فى ديسمبر 2000، كنت فى زيارة للراحل الكبير أحمد أبوالفتح فى بيته، ولاحظت أنه مشغول البال، ولما سألته عرفت أنه يفكر فى طريقة يستعيد بها لوحة عالمية تخصه، وتخص أسرته، وهى موجودة فى متحف محمود خليل على النيل! وكانت القصة كالتالى: كان شقيقه الأكبر والأشهر محمود أبوالفتح قد اشترى عدة لوحات عالمية، قبل قيام ثورة يوليو 1952، وكان قد قرر أن يزين بها مقر صحيفة «المصرى» الشهيرة، التى كان يملكها قبل الثورة، وما كاد الرجل يأتى باللوحات وقتها، حتى جاء الثوار، وطاردوه، وطردوه، واستولوا على ممتلكاته، ومن بينها «الصحيفة» بمقارها، ولوحاتها، وكل ما فيها! وغابت أسرة أبوالفتح كلها خارج البلاد طويلاً، ومات «محمود» فى الغربة وذهبوا بجثمانه إلى تونس، بناء على دعوة من الحبيب بورقيبة، واستقر فى مثواه الأخير هناك! وفى السبعينيات عاد أحمد أبوالفتح إلى القاهرة، بدعوة من الرئيس السادات، ولم يكن يعرف، بطبيعة الحال، أين ذهبت ممتلكات أخيه، ولا أين استقرت، رغم أنها كانت تضم أشياء بملايين الدولارات، خصوصاً اللوحات إياها! وكان «أحمد» يعرف عدد اللوحات وأسماءها، وأشكالها، ولكنه لم يكن يعرف أين هى، إلى أن جاءه يوم زار فيه متحف محمود خليل بالصدفة، ليتفرج على ما فيه، وهناك أصيب بالذهول، حين اكتشف أن إحدى اللوحات التى كان شقيقه «محمود» قد اشتراها، معلقة مع لوحات أخرى من بين مقتنيات المتحف، وكانت اللوحة هى «صيد الوعول» للفنان العالمى «روبنز» وكانت، ولاتزال طبعاً، من اللوحات ذائعة الصيت عالمياً. وظل أحمد أبوالفتح يفكر، كيف خرجت اللوحة من بيت شقيقه، وكيف اختفت كل هذه السنين، ثم كيف ذهبت إلى المتحف؟! وقد خرج يومها من زيارته، بعد أن قرر بينه وبين نفسه - كما روى لى - أن يستردها بأى وسيلة عن طريق القضاء، وفهمت منه أنه طلب من مصور صحفى أن يذهب إلى المتحف كزائر، ثم يلتقط لها عدة صور، لاستخدامها قضائياً فى دعواه أمام القضاء المختص!.. وأذكر أنه أطلعنى، وقتها، على صورة فوتوغرافية للوحة، وأبلغنى أنه طلب من المحامى الكبير سعد فخرى عبدالنور، السير فى إجراءات استرداد اللوحة، وبدأ الاثنان إجراءاتهما فعلاً، إلى أن رحل أبوالفتح فجأة، بعدها بشهور، ثم لحق به عبدالنور، وتوقف كل شىء! وما أذكره أنى سألته عن السبب الذى يمنعه من إثارة الموضوع كله فى مقالته الأسبوعية بالوفد، فكان رده أنها لوحة غالية الثمن جداً، وكان ظنه أن القائمين على المتحف ربما لا يعرفون قيمتها المادية الخيالية، ويخشى، كما سمعت منه، أن يكتب عنها، فينتبه إليها الغافلون عنها، ويسرقونها!! ولم يكن الرجل، يرحمه الله، يعرف أن نبوءته سوف تتحقق، ولكن مع لوحة أخرى، هى «زهرة الخشخاش» التى اختفت قبل يومين!!