هذه هى الآية التى أضفت على الذين يُقتلون فى سبيل الله أكليل الشهادة، وضمنت لهم الحياة عند ربهم يرزقون، فرحين بما آتاهم الله من فضله، ويستبشرون بالذين لم يلحقوا بهم من خلفهم «أَلاَّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ». القتال «كُرْهٌ» بتعيبر القرآن، وأعتقد أنه ما من جريمة تقترف مثل الحروب التى هى طريق جماعى لإهدار الدم وقتل النفس التى حرم الله قتلها، لأن الإسلام جعل الحياة حق مقدس لكل إنسان. هناك حالة واحدة فحسب يُقبل فيها القتال، بل إنه ينقلب من جريمة إلى فضيلة تلك هى عندما يُراد استخدام القوة العسكرية لقهر الإرادات، وتغيير العقائد، وتبديل المبادئ، لأن معنى هذا أن تكون الحياة ذلاً واستعبادًا وحرماناً للإنسان من أعظم ما أنعم الله عليه به، وما جعله إنساناً متميزًا على بقية الكائنات، لأنه التجريد من الضمير ومن الإرادة. هنا يحل القتال، بل يصبح واجبًا لأنه فى حقيقة الحال ليس قتالاً، ولكن دفاعًا، دفاعًا عن إنسانية الإنسان. بهذا القياس تصبح كل الحروب التى تحللها حكومات وتصدر بها قوانين وتشريعات ليست إلا ممارسة الجريمة على مستوى قومى. وتصل بهذا، ويُعد جزءً منه أن ترغب دولة فى الاستحواذ على الأرض، وما يعنيه هذا من إخضاع مصدر الثروة وموطن الإقامة، وما يحصل عليه الأفراد من غلتها ومعدنها كله للجيش المنتصر ولدولته، وليس لأصحاب الأرض وشعب هذه الأرض، فهذا أيضًا تجريد من المقوم المادى، وهو لا يقل عن التجريد من المقوم المعنوى الخاص بتغيير العقائد. بهذا القياس تصبح كل الحروب التى لا تكون دفاعًا عن العرض أو الأرض أو المبدأ أو الدين جريمة نكراء، وممارسة للقتل بالجملة، بالألوف وبعشرات الألوف ويُعد كبار القادة والأباطرة أكابر مجرميها الذين يستحقون المحاكمة فى الدنيا ولهم فى الآخرة عذاب النار. وليس هذا بظلم لهم، لأنهم سودوا التاريخ بالدماء المهدرة، وزيفوه، وجعلوه أداة لاستعباد الإنسان وإخضاع إرادته، واستصفاء ثروته. وليس هناك ما هو أسوأ من هذا.