فى الحديث الصحيح من السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله «ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه» ويروى الذهبى فى سير أعلام النبلاء أن أحد العلماء من أهل الحديث ظل يبكى عشرات السنين، ولم يعلم أحد من رفاقه وتلاميذه أنه يبكى إلا حين زاروه، فخرج إليهم ابن له صبى فسألوه: أين أبوك؟ فأخبرهم بأنه فى غرفته يصنع هكذا، وأخذ الطفل يحاكى أباه فى البكاء، والثابت عن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنه اغرورقت عيناه وذرفت دمعها، ودمعه غال- صلى الله عليه وسلم- فى مواضع منها يوم وصف أصيل الغفارى مكة، بأن ابيضت أباطحها، وأثمر شجرها، فقال له: كفى يا أصيل، دع القلوب تقر، وإذا بعيناه تذرفان على وطن غال عزيز فيه كان مولده، وكانت بعثته الشريفة، وهو أحب البلاد إلى الله، وإلى نفسه - صلى الله عليه وسلم - ولولا أن أهله أخرجوه منه لما خرج أبداً، وكذلك يوم استمع إلى ابن مسعود وهو يقرأ سورة النساء حتى وصل إلى قوله تعالى: «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيداً». قال له - صلى الله عليه وسلم- أمسك، وإذا عيناه تذرفان، ذرفت عيناه الدمع رحمة بأمته التى سوف يشهد عليها بأنه بلغها دين الله من العدل والرحمة والإحسان، فإذا كثير منها قد أساء وظلم وأفسد، وأحدث بعده ما لم يبلغه إياه، وكذا يوم مات ولده إبراهيم، فقال: «إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن ولا نقول إلا ما يُرضى ربنا، وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون». أما هذا البكاء الجماعى فى المساجد بأن يبكى الإمام ويبكى الناس خلفه فى مشهد من مشاهد الصلاة فأمر يدعو للمراجعة، وإعادة النظر، وتقوى الله عز وجل، فلا شك أن الصلاة ليس من أركانها ولا من هيئاتها البكاء الذى قد يفسدها بأن يخرج حروف القرآن عن معانيها، وفرق بين أن يغلبك البكاء فلا تستطيع دفعه وبين أن تعد له عدته وتنويه، والأول دليل رقة وخشوع ولا يبطل الصلاة، أما الثانى فعبث، ويفسد الخشوع، ولا سند له، فمن أراد البكاء فليبك وحده، وليبك من خشية الله وخوفه فالعين التى تبكى من خشية الله لا تمسها النار، فجنبوا الصلاة مثل هذا البكاء الجماعى، ولتفهموا معنى جديداً للبكاء سوف يأتى.