أنا لو كان علىّ، لكنت نشرت كل يوم رسالة من عشرات الرسائل البديعة التى تصلنى من القراء الأعزاء الذين يغضب بعضهم من تجاهلى رسائلهم، مع أننى أفعل ذلك مضطراً لأننى عندما أركز مع الرسائل لبعض الوقت، يغضب منى قراء كثيرون ويتهموننى بتحويل العمود إلى امتداد لباب بريد القراء، وهو ما لا يحبونه، عشماً منهم فى قلمى، وهو عشم يسعدنى للغاية، فثمة كتّاب أفرح كثيراً كقارئ عندما يقومون بنشر رسائل القراء، لأن ذلك يريحنى من وعثاء قراءة كتابتهم السقيمة. من أجمل الرسائل التى تصلنى تعليقاً على ما أكتبه رسائل شبه منتظمة من المستشار أحمد لطفى من الإسكندرية، وهى رسائل لا تكشف فقط عن خفة ظله وعمق أفكاره وثقافته الرفيعة، بل تكشف أيضا عن مهارة أصابعه فى استخدام أزرار المحمول، فهو يرسل رسائله لى دائماً على المحمول، ورغم أن رسائل المحمول توصف بأنها قصيرة، إلا أن رسائل المستشار أحمد لطفى ليست كذلك، فهى تتكون عادة من أجزاء، وبعضها لو تم لضمه يصلح أن يكون مقالة رائعة تسعد بنشرها أى صحيفة لا تشترط تخصيص صفحات الرأى فيها لثقلاء الظل وعديمى الموهبة. فى الأسبوع الماضى، أرسل إلىّ المستشار أحمد لطفى رسالة من أجزاء، تعقيبا على مقالى «ما تجيب بوستر»، يا رب ما تكون قرأته لأنك ستجد مقال المستشار لطفى أجمل منه بكثير، وهو ما جعلنى أرجوه أن يفتح رسائله على بعضها، ويكتبها فى مقال أسعد بنشره هنا، ولعلك تسعد به مثلى. «يا له من ضيف من ضيوف الصيف الثقيل».. قلتها وأنا أطل من النافذة على عساكر الأمن المركزى، مصطفين فى تشريفة موكب السيدة الفاضلة حرم السيد الرئيس (الحقيقة كلهم فاضلين)، باستعطاف قال أحدهم: «مانلاقيش شوية ميه ساقعة يا بيه؟»، وفى السلة (السَبَتْ) أعطيته ما طلب، لأكون فى خدمة الشرطة - التى كانت دوماً فى خدمة الشعب - ولأن الله فى عون العبدِ مادام العبدُ فى عونِ أخيه، فالواجب أن أكون فى عون رجال الشرطة ماداموا فى عون الحاكم. بعدها كانت «صينية الشاى وزجاجات الميه الساقعة» فى «قبضة الشرطة»، لوّح الضابطُ بيديه شاكراً وأنا أغلقت النافذة وانصرفت لشأنى. انتصف النهار، حين طرق الباب مكرراً شكره، وقال بهدوءٍ: «لو سمحت يا أستاذ شيل الحاجات اللى فى البلكونة!» دُهِشتُ لطلبه وقلت: «حاجات إيه سيادتك؟!» رد بحزمٍ: «روح شوف بنفسك». للوهلة الأولى، ظننت أننى لم أقلع عن عادتى السخيفة والتى عنّفنى عليها أبى ذات يومٍ عندما مرّ موكب الرئيسين السادات ونيكسون - فى نهاية السبعينيات - فى عربة مكشوفة، وقتها لم يكن الرؤساء يخشون العربات المكشوفة، (أقصد لا يخشون حرارة الجو أو تلوثه!). كنت صغيراً وانفعالى بالمشهد جعلنى أنتزع سروالى الأبيض من حبل الغسيل لألوّح به للرئيسين. باعتباره (اللون وليس السروال) رمزاً للسلام أو الاستسلام! كنت قد نسيت تماماً ما علقته على «سور البلكونة» عندما قيل إن الدلتا ستغرق بسبب الاحتباس الحرارى، ولأننى ساكن فى أول الدلتا (ثالث نمرة من البحر) فأنا غارقٌ لا محالة، وعلىّ أن أتلمس النجاة فيما لو جاء الطوفان (خصوصاً وأنا فى أول دور)، فعلقت «عوامتين» على سور البلكونة كالتى تستخدم فى إطارات السيارات (مقاس 28 أصلى مليان شوية) وبينهما لافتة كالتى يهنئ فيها النواب «ولاد الدايرة» بالعيد وكتبت عليها «غرقتونا..» والمعنى طبعاً فى بطنى وليس فى بطن الشاعر. بابتسامة ودٍ– ليس مراعاة لحقوقى كإنسان– بل «لأنى من صباحية ربنا بابعتلهم شاى ومية ساقعة» سألنى ساخراً: «إيه اللى إنت حاطُّه ده؟»، قلت: سأنبئك بتأويل ما لا تعلم: فأما العوامات فهى للنجاة «أصل الحكومة مش ناوية تعملنا حاجة فى الموضوع ده»، وأما اللافتة فهى إعلانٌ عن الاستياء وليس الاحتجاج – لا سمح الله - فأنا لست من مؤيدى الوقفات الاحتجاجية، خصوصاً بعدما أصبح «كل من شال إيده وحطها (خليها إيده..) بيقف يحتج»، إنما لو سيادتك شايفه احتجاج، فأنا أحتج صامتاً فى بيتى وليس أمام بيت الأمة دون إزعاجٍ للسلطات.. «السلطات هى اللى أزعجتنى»، فالأمة صارت بلا بيت يؤويها، «بعدما باعوا البيت ورمونا بره وبعدين يا باشا اللى بيزعق فى سرِّه ما بيسَمّعش غير نفسه، ولا إيه؟». يبدو أن الرجل اقتنع إلى حدٍ ما، ووافق على أن أُبقى على عوامة واحدة ربما ليقول إن ساكن هذه الشقة «إمّا أنه عجلاتى أو عبيط» وأظن أن الثانية كانت أقرب لما يعتقد. مناسبة الحكاية هى حملة الائتلاف الشعبى لتأييد جمال مبارك كمرشح منتظر (بفتح أو كسر الظاء) للرئاسة (ده غير المرشح المحتمل، والمرشح الفاضل) ولأننى لم «أوقِع» حتى الآن لأى ائتلاف، ومازلت «ألعب» مع الائتلاف الشعبى لدعم الغرقانين والمنهوبين الذين لم تسقط عليهم ثمار التنمية، بل سقطت عليهم جدران بيوتهم فى دولة «مش هزؤ»، يعنى «مش بتغير الدستور لواحد جاى من بره يرشح نفسه للرئاسة من غير برنامج، إنما ممكن تغيره لواحد قاعد جوه من غير برنامج برضه!» فيا ليت واحداً من «شيعة الإمام المنتظر» يبعث لى «بوسترين ائتلاف» لأعلقهما على سور البلكونة مع اللافتة «إياها»، بدلاً من العوامتين.. مين عارف «جايز نغرق بصحيح!» [email protected]