الاقتباس فى الدراما المصرية ليس أمرًا جديدًا، لكن الجديد انتشاره بشكل كبير خلال السنوات الأخيرة الماضية سواء إذا كانت المسلسلات تنافس فى سباق موسم رمضان أو خارجه، ولا شك أن معظم الأعمال الفنية المأخوذة عن أعمال أجنبية تحقق نجاحًا فى السوق المصرية، خاصة أنها مقتبسة من أعمال نجحت مسبقًا فى أسواق مختلفة، والبعض يحرص على مشاهدة هذه الأعمال والتفاعل معها، لأن فكرتها مضمونة بالنسبة لهم، والبعض الآخر يرفض مشاهدتها من الأساس ربما لمشاهدته وتمسكه بالنسخة الأجنبية، ويعتقد أن النسخة المصرية لن ترقى لمستواها. منذ بداية 2024، عُرضت أعمال درامية مأخوذة من نسخ أجنبية، بعدد حلقات مختلف فقد عرض مسلسل «بين السطور» المأخوذ عن النسخة الكورية «Misty»، ومكون من 30 حلقة، وهو بطولة الفنانة صبا مبارك والفنان أحمد فهمى، وعُرض مؤخرًا مسلسل «مفترق طرق» عن النسخة الأمريكية The Good Wife، وهو مكون من 40 حلقة ويجمع هند صبرى وإياد نصار وماجد المصرى وجومانا مراد وهدى المفتى، وأيضًا انتهى خالد النبوى ويسرا اللوزى من تصوير مسلسل «سراب» عن النسخة الأسترالية «Seven Types of Ambiguity» والذى تم الترويج لعرضه خلال الفترة الحالية عبر إحدى المنصات الرقمية. وعن هذا الانتشار وأسباب نجاح الأعمال المأخوذة من فورمات أجنبية وتأثيرها على الدراما تحدث نقاد وخبراء دراما ل«المصرى اليوم»، وقالت الناقدة ماجدة موريس إن أسباب انتشار الأعمال المأخوذة من نسخ أجنبية هو كثرة عدد الكتاب الجدد الذين يبحثون عن أفكار بعيدة عن مجتمعنا ويجدونها فى الفورمات الأجنبية، وأحيانًا ما تكون هذه الأفكار مهمة وجديدة. وأكدت «موريس» على أن جميع هذه الأعمال ليست ناجحة ولكن إشادات مواقع التواصل الاجتماعى قد تنقذ بعضها، ويبدو الأمر وكأنها نجحت لدى الأغلبية كما أن البعض منا يعتبر أن أعمال المنصات جيدة مقدمًا. وأشارت «موريس» إلى أن زيادة الفورمات الأجنبية تؤثر سلبًا على الدراما المصرية وعلى المشاهد نفسه، لأنه سيجد أفكارًا تكون بعيدة عن مجتمعه ولن يفهم السبب كما أن الاهتمام بالفورمات الأجنبية يبعد الدراما عن قضايا المجتمع المصرى المهمة والتى يعانى منها الأغلبية وبالتالى تصبح دراما بلا قيمة أو فاقدة للمجتمع. وتابعت الناقدة ماجدة موريس أن الفورمات الأجنبية لا تلغى الهوية لكنها قد تؤدى إلى ارتباك المشاهد بين ما يعرفه عن نفسه ومجتمعه وربما يعتقد أن ما يراه على الشاشة هو الحقيقة المؤكدة فى المجتمع. من جانبه قال الناقد رامى عبدالرازق إن سبب نجاح أعمال الفورمات الأجنبية أنها فى الأساس أعمال جيدة وتم إنتاجها بشكل جيد سواء على مستوى الكتابة والإخراج والحبكة الدرامية وتصاعد شخصيات لذلك سبب نجاحها أنها مأخوذة من فورمات أجنبية. وأكد «عبد الرازق»: الفورمات الأجنبية تؤثر على الدراما المصرية سلبًا فهى أسهل فى الكتابة، لأن الترجمة والتمصير عملية أسهل من الإبداع، بالإضافة إلى أن موضوعاتها مضمونة ولا يمكن أن تصطدم بالرقابة فهى لا تتناول موضوعات مهمة أو قضايا تخص المجتمع، فمعظمها تكون عن جريمة أو علاقات عاطفية، أو إثارة، وليس لها علاقة بما يحدث فى مصر من قضايا سياسية أو اجتماعية أو اقتصادية، فهى ليست مثل دراما أسامة أنور عكاشة، أو وحيد حامد أو محمد جلال عبد القوى فهم كانوا يكتبون من قلب المجتمع، بالإضافة إلى أنها «رخيصة» فمن السهل شراء هذه النصوص وترجمتها ويقبل عليها الفنانون لأنها تمثل لهم فرصة عمل طوال العام. وتابع: أى كاتب يريد دخول مجال الكتابة فى الدراما يجب أن يقتبس مسلسلًا، فهناك شركات إنتاج لا تقبل إلا النصوص المأخوذة من نسخ أجنبية. وأكد الناقد رامى عبدالرازق أن الأعمال المأخوذة عن فورمات أجنبية لا تلغى الهوية لكنها تؤثر على شكل وتصور المجتمع فنحن الآن فى مرحلة مسلسلات «الكمبوندات»، فنرى مستويات اجتماعية، ليست الغالبية من الشعب المصرى، فلا يوجد حديث عن الأزمة الاقتصادية أو سوء مستوى التعليم أو تراجع الثقافة أو الانحدار الطبقى كما أنها تزيد من فجوة الطبقات الاجتماعية، ومع انتهاء هذه الحقبة ستُنسى كل هذه المسلسلات لأنها لا تعبر عن المجتمع المصرى. وأرجعت الناقدة ماجدة خير الله نجاح الأعمال الدرامية المأخوذة من نسخ أجنبية إلى قدر الاهتمام بها، وقدرة الكاتب المصرى على خلق جو مناسب يحدث الفارق بين العمل الأجنبى والمصرى، وإضافة الروح الخاصة بمجتمعنا، ولهذا نجد بعض الأعمال تكون ناجحة وبعض الأعمال تمر مرور الكرام ولا نسمع عنها، فالأمر متوقف على قدرة العمل على إضافة الروح المصرية وعناصر الجذب وفى بعض الأحيان يكون العمل المصرى أفضل من الأجنبى المقتبس منه، وأكدت أن الاقتباس موجود فى كل الفنون، الدراما المسرح والموسيقى. مشهد من مسلسل «Suits» .. النسخة الأصلية وأشارت «خيرالله» إلى أن السينما المصرية منذ ولادتها وهى قائمة على الاقتباس من السينما الفرنسية أو الإيطالية أو الأمريكية، حتى إن نجيب الريحانى كان يقتبس ونحن نشاهد أفلامه الآن ولا نقول إنها ليست هويتنا، وإنما نشعر أنها من نسيج المجتمع المصرى فقد كان يطرح مشكلات المجتمع حينها مثل البطالة، وكان يضيف روح المجتمع المصرى إلى أعماله. وتابعت: «العالم أجمع يقتبس ولا يفقد أحد هويته، لماذا فى مصر فقط نتحدث عن فقد الهوية؟ نحن فقط من نخاف على فقدان هويتنا، هذا لا يمنع أننا نقدم أعمالًا أصلية من تأليف كتابنا».