إشادات واسعة بأداء الحكومة فى تنفيذ برنامج الإصلاح الاقتصادى، وتوقعات متفائلة حملها التقرير الأحدث لصندوق النقد حول مراجعة الاقتصاد المصرى، والذى يأتى بعد مرور 5 أشهر على اتخاذ البنك المركزى خطوات حاسمة للتحرك صوب سعر صرف مرن بدأت بتوحيد السعر، إذ يرى الصندوق أن مصر استطاعت تحقيق نجاحات كبيرة بفضل الإصلاحات المختلفة المنفذة واستيفاء عدد كبير من الشروط، ما أسفر عن تحسن ملحوظ فى المؤشرات الاقتصادية، مثل تباطؤ التضخم واستقرار سعر الصرف وتحسن فائض الميزانية. «النقد الدولى» أكد دعمه المستمر لجهود الإصلاح الاقتصادى الجارية فى البلاد، عبر تخفيف بعض المعايير فى برنامج حزمة الدعم المالى، وتعديل مواعيد تطبيق عدد من الإصلاحات المتفق عليها، ما يمنح الحكومة مزيداً من الوقت لتنفيذها بشكل أكثر فاعلية. تضمن ذلك تأجيل نشر عمليات التدقيق السنوية على الحسابات المالية التى يصدرها الجهاز المركزى للمحاسبات حتى نهاية نوفمبر بدلا من مارس، انتظارا لتعديل القانون المنظم للجهاز. إضافة إلى تأجيل إعداد خطة إعادة رسملة البنك المركزى حتى نهاية أغسطس المنصرف لتقييم احتياجاته من رأس المال الجديد ووضع إستراتيجية مناسبة، كما شمل تخفيف المعايير إشارة الصندوق إلى تخلى الحكومة عن زيادات أسعار الوقود الفصلية مقابل التزام حازم برفع الأسعار إلى مستويات استرداد التكلفة بحلول نهاية 2025. ومن المقرر أن يجرى الصندوق المراجعة الرابعة لبرنامجه مع مصر فى أكتوبر المقبل، تمهيدًا لإقرار صرف الدفعة الرابعة بقيمة 1.3 مليار دولار خلال ديسمبر المقبل بعد موافقة المجلس التنفيذى. مصر تستجيب لمتطلبات الإصلاح أظهر تقرير المراجعة تقدمًا إيجابيًّا على أصعدة عدة، كان على رأسها استمرار تباطؤ معدل التضخم فى مصر ليتراجع على أساس سنوى من ذروته عند 38٪ فى سبتمبر2023 إلى 28.1٪ فى مايو، وهو أدنى مستوى منذ يناير الماضى. المراجعة لفتت أيضًا إلى التزام الحكومة بسياسة مالية حذرة وتخفيض النفقات، ما أدى إلى تسجيل الفائض الأولى للموازنة العامة ارتفاعًا ملحوظًا فى الأشهر العشرة الأولى من 2023/2024 ليصل إلى 2.0٪ من إجمالى الناتج المحلى. وتواصل السلطات عملها لتحقيق ضبط مالى من خلال زيادة الإيرادات الضريبية بنسبة 3٪ من إجمالى الناتج المحلى، وتقديم حزمة من إصلاحات ضريبة القيمة المضافة إلى البرلمان بحلول نهاية نوفمبر. التقرير تطرق إلى خفض الإعانات غير المستهدفة، إذ رفعت السلطات سعر الخبز المدعوم من 0.05 جنيه للرغيف إلى جنيهين اثنين فى يونيو الماضى، وتلتزم بإعادة أسعار الوقود إلى مستوى استرداد التكلفة بحلول 2025، لافتًا إلى أن الزيادة الأخيرة فى أسعار الطاقة توفر إيرادات شهرية للهيئة العامة للبترول بما يتراوح بين 10 و11 مليار جنيه تساعدها فى تنفيذ خطتها لإنهاء متأخراتها المستحقة لشركات النفط العالمية، والتى انخفضت بالفعل لنحو 5 مليارات دولار، متوقعاً استمرار تراجعها لما بين 3.5 و3.8 مليار دولار بنهاية السنة المالية الجارية. من ناحية أخرى، تعمل الدولة على الإنفاق على الحماية الاجتماعية بشكل أكثر استهدافا، إذ شهد برنامج تكافل وكرامة زيادة فى عدد المستفيدين ب5 ملايين أسرة، وارتفاعًا فى قيمة التحويلات النقدية بنسبة 45٪ منذ 2022/2023، فضلًا عن تحسن استهداف دعم المواد الغذائية عن طريق إزالة الأفراد غير المؤهلين، والعمل على إصدار قانون جديد لتوحيد برامج الدعم الاجتماعى. كذلك تم تخفيض عمليات السحب على المكشوف من البنك المركزى التى نفذتها وزارة المالية بشكل حاد منذ فبراير، لتصل إلى صفر فى 31 مايو، إلى جانب تسديد الجهات الحكومية بالفعل مطالبات المركزى بواقع 150 مليار جنيه بنهاية يوليو، مستهدفين خفض مديونياتهم للبنك بواقع 100 مليار جنيه سنويًا، حتى تصل إلى صفر. وعلى الجانب الخاص ببرنامج الطروحات الحكومية وتخارج الدولة، أشار التقرير إلى تبنى الحكومة نهجًا إستراتيجيًا جديدًا للتخارج وجذب المزيد من الاستثمارات، مستهدفة قطاعات واعدة مثل الطيران والبنوك والتأمين والاتصالات، إلى جانب إعداد قائمة بأكثر من 700 كيان مملوك للدولة، وتحديد حوالى 200 شركة مرشحة لإجراء عمليات التخارج منها، بما فى ذلك جميع مصالح الملكية الحكومية فى القطاعات غير الإستراتيجية. وتستهدف الحكومة المصرية، التخارج من أصول مملوكة لها بقيمة 3.6 مليار دولار خلال 2024/ 2025، وستواصل إستراتيجية التخارج لتوفير التمويل الخارجى وتحقيق نحو 8.7 مليار دولار من تلك الطروحات بنهاية سبتمبر 2026. وكانت السلطات قد أتمت صفقات بيع أصول حكومية بقيمة 2.2 مليار دولار خلال السنة المالية 2023/2024، منها 2 مليار تم احتسابها فى احتياطيات البنك المركزى من العملة الأجنبية بنهاية أبريل 2024. متانة القطاع المصرفى حظى الجهاز المصرفى بجانب كبير من إشادة «النقد الدولى»، الذى أكد أن النظام المالى فى مصر أظهر قدرة على تحمل التأثير الأولى لتوحيد سعر الصرف والتشديد النقدى بعد أن نجحت السلطات النقدية فى الانتقال إلى نظام سعر صرف مرن، إذ يتحدد السعر حاليًا وفق آليات السوق، فيما لم يتدخل البنك المركزى المصرى فى سوق الصرف الأجنبى منذ مارس الماضى. وأشار التقرير إلى انحسار الفارق بين السعر الرسمى وسعر السوق، وأن السعر الرسمى ظل مستقرا نسبيا بعد القرار، فضلًا عن تلاشى الطلب المتراكم على النقد الأجنبى فى البنوك، إذ أكد العديد من الشركات الدولية تسهيل إجراءات الحصول على النقد الأجنبى لأغراض تحويل الأرباح خارج البلاد. حققت مستويات الاحتياطيات النقد الأجنبى ارتفاعًا بشكل ملحوظ، وسط تأكيدات من الحكومة على التزامها بمواصلة تعزيز الاحتياطيات من خلال الاحتفاظ بعائدات الطروحات الحكومية لدى المركزى، كما شهدت سوق الصرف بين البنوك «الإنتربنك» نشاطًا غير مسبوق، إذ زاد حجم التداول اليومى بحوالى عشرة أضعاف مقارنة بفترة ما قبل توحيد سعر الصرف. وأكد التقرير التزام البنوك المصرية بالحدود التنظيمية على صافى المراكز المفتوحة للعملات الأجنبية، وقد أظهرت المصارف أداءً جيدًا من حيث الربحية والسيولة، ولديها رأسمال كاف يتجاوز الحد الأدنى التحوطى، فيما شهدت مراكز صافى الأصول الأجنبية للبنوك انتعاشًا حادًا ملحوظًا بفضل التدفقات التى جاءت بعد صفقة رأس الحكمة واستكمال المراجعتين الأولى والثانية للصندوق. ووفقًا للتقرير، لا يزال تعزيز مرونة القطاع المالى يشكل أولوية رئيسية للسلطات، إذ يراقب البنك المركزى المصرى، بصفته المنظم، عن كثب استحقاق وتكوين أصول والتزامات البنوك بالعملات الأجنبية، بما فى ذلك تعرضها لهيئات القطاع العام. ولتعزيز ممارسات الحوكمة والمنافسة بالقطاع، يعتزم «المركزى» إجراء تقييم مستقل للسياسات والإجراءات والضوابط الخاصة بالبنوك الحكومية من قبل شركة معترف بها دوليا، يتم اختيارها عبر مناقصة قبل نهاية أكتوبر المقبل. «المركزى» يعمل على تطوير إستراتيجية تواصل أكثر فاعلية وتحسين آلية انتقال أثر السياسة النقدية، مستهدفًا تقديم التوجيه الكافى للمشاركين فى السوق بما يتماشى مع التزامه بالتحرك تدريجياً نحو نظام استهداف التضخم الكامل. ويوضح التقرير أن الجهود الحالية لتحسين قياسه لتوقعات التضخم ستسمح له بتعزيز الأساس التحليلى لاتخاذ قرارات أسعار الفائدة، إضافة إلى بذله جهودًا أفضل لضمان إعداد جميع التقارير العامة مثل تقرير الاستقرار المالى السنوى فى جدول زمنى يمكن التنبؤ به ودون تأخيرات مفرطة. وتشير اختبارات الضغط التنظيمية التى أجراها «المركزى» تشير إلى أن البنوك المصرية لديها احتياطيات كافية لرأس المال والسيولة، وذلك بهدف قياس قدرتها على تحمل الصدمات الاقتصادية مثل التقلبات الحادة فى أسعار الصرف والزيادات المفاجئة فى أسعار الفائدة. توقعات متفائلة نستعرض أبرز التوقعات التى رصدها تقرير صندوق النقد بالمراجعة الأخيرة للاقتصاد المصرى لمجموعة من المؤشرات خلال 5 سنوات مالية متتالية، والتى جاءت متفائلة بشكل كبير، معزيًا الانتعاش المتوقع لبدء تنمية منطقة رأس الحكمة وانحسار محتمل للضغوط الناجمة عن الصراع واضطرابات البحر الأحمر فى النصف الثانى من السنة المالية الحالية، واستمرار تراجع التضخم خلال الأشهر ال12 المقبلة.