صوت طقطقة قوى، دوى صداه بعقار مكون من 4 طوابق، فيما كان الرجل العجوز «أمير عزوز»، يترجل ناحية محل صديقه للجلوس معًا ساعة عصارى، بحارة جانبية متفرعة من شارع سليم باشا الخادم ببولاق أبوالعلا في القاهرة، هرول صديقه لمعرفة ما يحدث مع صياح صاحبه «وسعوا.. وسعوا.. صلوا على النبى»، يقول «فى أقل من الثانية البيت وقع»، ليلتف وراءه يطالع المبنى كتلة أنقاض، «بيت الشيخ رضوان وقع، هاتوا سلالم بسرعة وجرادل ميه»، هكذا زعق المُسن مرة أخرى، لإنقاذ قاطنى المنزل، فكانت المأساة بمصرع «أم حسين»، زوجة مقرئ القرآن الشهير، متحضنة ابنتيها اللتين نقلتا إلى المستشفى تصارعان الموت مع 4 آخرين. «مفيش ثوانى لقيت البيت بيطقطق» «أمير»، وصديقه «عاطف» الذي يمتلك محلًا بالعقار المنهار، وكان يجلس به يوم الواقعة، ناديا وسط الأنقاض على جيرانهما القاطنين داخل المنزل المنكوب: «يا أم حسين.. يا زينب.. يا على»، فيما سمعا صراخ الشابة «آية»: «الحقونى.. أمى!»، ليحضر شباب المنطقة جرادل المياه لرشها على التراب حتى لا يختنق من تحت الأنقاض. بتتبع مصدر الصوت، وصلوا إلى «آية»، صاحبة ال16 عامًا ليجدوا أمها «أم حسين» جوارها متحضنة إياها مع ابنتها الأخرى «زينب»، كان الحاج «عاطف» في ذهول، لم يتصور لوهلة وفاة المُسنة، وأخذ يطمئن ابنتيها فيما يسحبهما مع الأهالى من تحت التراب والطوب «متخافوش دى متعورة بس»، لكن لم يتمالك نفسه وأجهش بالبكاء، لما أخرج الناس جثمان الأم ميتة، فيما سيارات الإسعاف تحمل ابنتيها وتصرخان على والدتهما «يا ماما سايبانا ورايحة فين؟». الشاب «سنبل»، أحد المشاركين في انتشال أجساد قاطنى المنزل من أسفل ركام المنزل، يحكى أن «أم حسين» كانت حاضنة عيالها، وإحدى ابنتيها كانت عينها على أمها وتصرخ بقوة بأن «نطلع أمها، لحد ما اكتشفنا أنها حاضنة ابنتها من وسط جسدها مع أختها التانية». سيناريو الحادث بدأ وفق «أمير»، بنزوله عصرًا إلى محل ورشة الميكانيكى خاصة جاره «عاطف»، حيث اعتاد الجلوس بهذا التوقيت «مفيش ثوانى لقيت البيت بيطقطق، وصحت في الناس بأن يوسعوا ولولا ذلك لوقعت كارثة بحقهم وماتوا أثناء جلوسهم أسفل العقار محل الكارثة، والكل انتبه ناحيتى وطلعت على الشارع العمومى بجرى وبأعلى صوتى صرخت في الجيران بأن كله يجيب سلالم، وطلعنا بيها جبنا الحاج محسن وأطفاله من شرفة شقتهم قبل سقوطهم بها». «لقى عياله في الإسعاف ومراته ميتة» الأهالى بدأوا، حسب «أمير»، في التحرك ناحية العقار المنهار وبدأوا في حمل الأخشاب والطوب «عشان يوسعوا شوية لنفسهم، أثناء البحث عن السكان تحت الركام، ولقينا 4 أشخاص متعورين»، وفجأة يسمعون صوت بنت تردد «انجدونى»، وتبين لهم أنها «زينب»، ابنة الشيخ رضوان، «شوفنا راسها يدوب هي اللى باينة، وبعد كده قالت لنا أمى وأختى تحت الطوب، ووالدتنا كانت حاضنانا، وطلعناهم واحدة ميتة والتانية مصابة». «عاطف»، صاحب الورشة، التي استأجرها منذ العام 1994، وهو يحكى أن المنزل انهار في أقل من الثانية «وربنا كتب لىّ عمر جديد»، يشير إلى أن العقار مبنى منذ أكثر من 100 عام ويعتبر أثريًا، وصدر له قرار بإزالة الطابق الأخير وجرى ترميمه منذ سنوات. يرثى «عاطف» حال زوج «أم حسين»، الذي حضر على وقع الصدمة «لقى عياله في الإسعاف ومراته ميتة»، وندب حظه على كوارثه بتدمير أثاث شقته وجهاز البنتين العروستين. فحص العقارات المجاورة جنازة الضحية شيعت من مسجد السيدة نفيسة بحضور العشرات من سكان المنطقة الشعبية، ووسط مشاعر حزن على تشريد قاطنى المنزل المنهار، فبعضهم لا يزال يفترش الشارع مع أطفاله للنوم. جهود الإنقاذ استمرت لنحو 5 ساعات، وتمكنت خلالها قوات الحماية المدنية من استخراج 4 أشخاص كانوا أسفل الأنقاض، وجميعهم نقل إلى المستشفى لتلقى العلاج اللازم. «عقار بولاق أبوالعلا» ذو طراز معمارى مميز، وقررت النيابة العامة تشكيل لجنة هندسية لفحص العقارات المجاورة للعقار المنهار، لبيان مدى تأثرها بالانهيار، مع رفع المخلفات الناتجة عن الحادث بمعرفة «الحماية المدنية».