بمجرد وصول «دعاء» إلى منزلها بمنطقة السيدة زينب في القاهرة، تذكرت أنها نسيت «اللبن الصناعى» لطفليها «التوأم»؛ ونادت عليها ابنتها الكبرى «غزل»، 9 سنوات: «يا ماما إحنا سيبنا حاجات إخواتى عند تيتة»، لتقرر الأم العودة إلى منزل الجدة، القريب منها. دى جايه ميتة وبينما تشير عقارب الساعة إلى ال11 مساءً، أرعب صوت طلق خرطوش أهالى المنطقة، لتصرخ السيدات ويطالبن الأبناء بسرعة الدخول إلى منازلهم، ويتابعوا من الشرفات في قلق ما ستسفر عنه مشاجرة بين عامل وزوجته وابنهما، وطرف ثانِ- مالك محل زيوت وعامل، وكان الأهالى «حاطين إيديهم على قلبهم»، حيث يمتلك الطرف «الأول» «كلبا» يرعب به المارة، ويشهرون الأسلحة البيضاء والنارية، ويعتدون بها على الطرف الثانى وكل من يتدخل لنصرته أو إثنائهم عن أفعالهم الإجرامية، هكذا يتذكر شهود العيان وأهل «غزل» بداية المأساة التي انتهت بمقتلها. «غزل» سبقت أمها بخطوات، بعد نزولها من البيت في طريقها إلى منزل الجدة، فالأم كانت تحمل رضيعيها التوأم «زين»، و«عز»، وتمسك بيدها ابنها «بدر»، 7 سنوات، وكانت تلهو كعادتها وتغنى ما تحب، وفجأة توقف صوتها إلى الأبد، كانت طلقات الخرطوش التي أطلقت نحوها من المتهم الثالث- الطرف الأول من مشاجرة الجيران- أسرع من جريها لتبعد عن الشر الذي لم تدركه. تضع «دعاء» أطفالها حوزة الناس، الذين التفوا من حولها بعدما لاذ المتهمون بالفرار، تهز في جسد «غزل» لا ترد، الدم يغرق وجهها، ملامحها الملائكية اختفت، حملتها إلى المستشفى لكنها ماتت في الطريق، وقال لها الأطباء: «دى جايه ميتة»، لم تدرك حالها وهى تصرخ كأنها تكذب مقتلها في غمضة عين، وتسأل: «إزاى تروح منى، لسه نازلين خطوتين والتالتة كنا داخلين على بيت أمى- جدتها؟!». كنت بحلم أشوفها عروسة خبر إطلاق الخرطوش على «غزل»، عرفه والدها من الأهالى، توجه إلى المستشفى حيث يرقد جثمانها في انتظار قرار النيابة العامة بنقله لمشرحة زينهم، لاتخاذ إجراءات التشريح للوقوف على أسباب الوفاة، وزوجته ترجوه: «قولها يا حبيبى، تصحى بقى عشان نروح ل(تيتة) نجيب لبن إخواتها (زين)، و(عز)»، لم يتمالك نفسه هو الآخر، أخذ يردد والدموع تسبق كلامه: «يا روحى اصحى، مش هتفرحينى بنتيجة المدرسة، هشترى لكِ لعبة الممرضة والدكتورة اللى إنتِ عايزاها». كانت نهاية مأساوية لحياة الطفلة، صاحبة ال9 سنوات، التي يقول والدها «مخلفتش غيرها» في إشارة إلى حنيتها، ويحكى «دى كانت خاطفة قلبى، ودلوقتى حرقت قلبى إلى الأبد عليها»، وزاده الحادث حسب حديثه حزنًا، بعد أن طالع كاميرات المراقبة بمحيط مسكنه «لقيت المتهمين العامل وزوجته وابنهما، بيتخانقوا مع صاحب المحل جارهم لأنه متضايق من الكلب بتاعهم وتطفيشه للزبائن، وفى تلك الأثناء كانت الزوجة معاها (شطة) ترميها في عين الطرف الثانى وعامل معاه وكل من يقترب منهم لحد ما ابنها طلع البيت وجاب بندقية خرطوش وفضل يضرب بيها عن عمد في الناس، وقاصد يقتل أي حد، وتصادف مرور بنتى الملاك فكان من نصيبها عدة طلقات بالوجه والرقبة والصدر، هي وشاب آخر تصادف مروره من المكان». «يا بابا عايزه أطلع دكتورة»، يجهش والد «غزل» بالبكاء، أمام صورتها متذكرًا كلماتها، ووعدها له «هخلى بالى من مذاكرتى وإخواتى»، ويقول «بنتى راحت واتدفنت تحت التراب، كنت بحلم أشوفها عروسة، دى البنت الوحيدة عندى، وكانت نور حياتى وعينى». أم الضحية اعتزلت كل الناس لا يكفى أم المجنى عليها، سوى إعدام المتهمين بالقانون، تصرخ داخل سرادق العزاء: «أشوفهم مشنوقين في ميدان عام»، وحولها السيدات يواسين إياها، دون جدوى «يا حبيبتى فينك؟»، لتنهار بعدما رأت جدة الطفلة أمامها «كنا جايين لكِ ناخد لبن العيال». عزاء وجنازة المجنى عليها كانا بحضور المئات من جيرانها وأقاربها وأشخاص لا يعرفون الأسرة، لكنهم سمعوا بتفاصيلها؛ إذ أضحت «غزل» حديث منطقة السيدة زينب، وبينهم الفنانة ندى بهجت، قريبة الصغيرة، التي طالبت بتوقيع أقصى عقوبة على المتهمين، وقالت إن أم الضحية اعتزلت كل الناس وأصبح حالها يرثى له، وامتنعت عن الطعام والشراب، بسبب مقتل ابنتها أمام عينيها. الداخلية تكشف التفاصيل وزارة الداخلية من جهتها، أعلنت تفاصيل الواقعة، وقالت إنه تبلغ لقسم شرطة السيدة زينب بمديرية أمن القاهرة، وقوع مشاجرة ومتوفاة ومصاب بدائرة القسم، وبالانتقال والفحص تبين حدوث مشادة كلامية بين طرف أول (عامل وزوجته ونجلهما)، وطرف ثان (مالك محل زيوت وعامل بالمحل)، بسبب طلب مالك محل الزيوت من الطرف الأول إبعاد الكلب الخاص بهم من أمام المحل، خشية عَقره للمارة، تطورت إلى مشاجرة قام على إثرها أحد أفراد الطرف الأول بإطلاق عيار نارى من بندقية خرطوش كان بحوزته، ما نتج عن ذلك إصابة طفلة وتوفيت متأثرة بإصابتها وكذا إصابة طالب برش الخرطوش، تصادف مرورهما بمحل الواقعة. وأكدت الوزارة أنه عقب تقنين الإجراءات تم ضبط طرفى المشاجرة، وبحوزتهم «بندقية خرطوش، وعدد من الطلقات، و3 أسلحة بيضاء، وماسورة حديدية»، وتم اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة.
