لو أن ما يجرى داخل الأسرة الصحفية شأن يخص الصحفيين وحدهم ما كان من حقى أن أقتطع هذه المساحة الغالية للأسبوع الثانى على التوالى، لكى أكتب عن انتخابات نقابة الصحفيين. لكن ما يجرى فى البيت الصحفى يتعلق بحياة المواطنين كافة، وبمستقبل مصر وليس بحياة ومستقبل أبناء هذه المهنة فقط. الواقع السياسى المتردى، هو الذى يرشح الصحافة لهذه المهمة الكبيرة، فالمطلوب منها أن تغطى جزءاً من فراغ أحزاب ورقية، وشيئاً مما يتركه برلمان معوق، بتركة الخمسين بالمائة عمالاً وفلاحين، والسبعين بالمائة «حزب وطنى». هكذا نجد أنفسنا مطالبين، إلى جانب بعض مؤسسات الدولة العريقة كالقضاء، بحماية البقية الباقية من كرامة الدولة المصرية ومستقبل أبنائنا فى بلد لم نعرف، ولا نعرف، ولا نريد أن نعرف غيره. من هنا، كانت إرادة التغيير التى أدرناها فى نقابتنا بأقل القليل من الضغائن، ومن هنا أيضاً كانت إرادة عدم التغيير التى خاضتها السلطة فى معركة النقابة. كلانا يعى أن النقيب مجرد صوت فى مجلس النقابة ولكن الرغبة فى التغيير والخوف منه كانت رغبة وخوفاً من المثال، أى أن تكون النقابة، أو لا تكون، قاطرة التغيير فى مصر. ومن هذا المنطلق، كتبت فى الأسبوع الماضى بعنوان «أستاذنا مكرم.. اغضب معنا» أناشد الأستاذ الذى لم أشرف بالعمل معه، ولا أجهل قدره، لكى يترك فرصة للتغيير الذى انحاز إليه نصف من أدلوا بأصواتهم فى الجولة الأولى. واليوم أخاطب نقيبنا مكرم، مهنئاً، ومذكراً بأن الشعارين اللذين رفعا فى النقابة فى فترة الانتخابات «التغيير» و«الاستقرار» لم يسقط أحدهما ليستقر الآخر سعيداً. وما ينبغى أن نفكر فيه هو التوأمة بينهما والانطلاق بهما من مرحلة الشعار إلى مرحلة الطموح للتغيير باستقرار وهدوء. ولتكن هذه هى الدورة الأخيرة التى يضطر فيها المرشح نقيباً للصحفيين إلى ارتكاب هذا العدد من رسائل الموبايل، المكلف مادياً للمرسل، والمكلف معنوياً خصماً من كرامة المستقبلين وكرامة مهنتهم، وكأننا فى مزاد. وليعلم نقيبنا مكرم أن نصف عدد الصحفيين، لن يلتفتوا إلى أى من الرسائل التى تلقوها أو يحاسبوه على تنفيذها، خاصة أن بعضها تعرض للتصحيح ثم تصحيح التصحيح، مثلما حدث فى الرسالة الخاصة بالصحفيين الإلكترونيين، أما بخصوص أرض بالوظة، فإنها تخص الحاجزين فيها، وغير الحاجزين يفضلون أن يكون مصيفهم مهلبية. وبخصوص اللاب توب، لا يمكن أن نطالبه بسبعمائة جهاز لكل متدرب فى النقابة، «هكذا كانت صياغة الرسالة وهو سهو غير مقصود من مديرى حملة أستاذنا مكرم، والمقصود سبعمائة جهاز لسبعمائة متدرب، بالتأكيد». هناك إرادة تغيير مهنية ومادية، موجودة لدى الصحفيين، عبّر عنها ضياء رشوان، وأظهرها صندوق الاقتراع، ويجب أن يتواصل العمل عليها يداً بيد، والأستاذ مكرم يعرف العورات، وتحدث عنها فى البرامج التليفزيونية، ومنها ما هو صارخ فى الصحف الخاصة، التى تستغل الشباب فيما يشبه النخاسة، مجاناً أو ما يشبه المجان، فى حين يتقاضى رؤساء تحريرها عشرات الآلاف من الجنيهات. والظاهرة لم تأت من فراغ، ولكنها انتقلت إلى هذه الصحف من تراث الصحف القومية، الذى لم يعد مقبولاً طبقاً لأى تشريع أو عرف. هذه الظاهرة التى تسمح بأن يكون الفارق بين عاملين يزاولان المهنة ذاتها بنسبة واحد إلى ألفين، والتى أصر على تسميتها «مرتبات تشكيل عصابى» لا تخص الصحافة وحدها، لكننا نريد أن نكون البادئين فى الإصلاح. ويعرف نقيبنا مكرم، أكثر مما نعرف أن هذه السبة فى جبين الصحافة المصرية، التى لا نظير لها فى نظام ديمقراطى أو ديكتاتورى، تقود إلى مآس مهنية أخرى، أخطرها خلط الإعلان بالتحرير، وضرب أسوأ الأمثال للصحفيين الجدد، الذين يبدأون حيواتهم المهنية متطلعين إلى رؤسائهم، ومقتدين بسلوكياتهم فى جلب الإعلانات والسمسرة، ومن لم يجد فبالتنصت والتسجيل للمصادر والدخول فى صراعات رجال الأعمال، كما حدث فى واقعة الخلاف بين شخصيتين رياضيتين مؤخراً. وكما قال نقيبنا مكرم، تحتاج الصحافة إلى تغيير قانون النقابة، وهذا ما سوف ننسى رسائل الموبايل لكى نتذكره، وسوف يساعدنا النقيب ومجلس النقابة على الاعتزاز بالستر الذى نحياه، من دون رفع بدل التكنولوجيا، إذا ما تم تغيير القانون وتفعيل ميثاق الشرف وتوبيخ من يخلط الإعلان بالتحرير أياً كان موقعه. وعلى الرغم من التغير الحميد فى قبول الأعضاء تحت التمرين وتشديد اختباراتهم إلا أننا نتمنى أن تكون هناك آلية لمراجعة الصلاحية كل فترة، فمن يقد سيارة يضطر للكشف الطبى عند تجديد رخصة القيادة، حتى لا يتسبب فى حادث سير، إذا ما كلَّ بصره أو فقد طرفاً من أطرافه، وفى البلاد المحترمة تتصاعد مخالفات المرور حتى المنع الكامل من القيادة، والصحفى الذى يفقد ضميره أثناء ممارسة المهنة يداهم مجتمعاً بأكمله، وينبغى أن يجد من يقول له: «قف». والنقيب مكرم يعرف أكثر منا أن الدولة منحت رخصاً مزورة لمن يداهمون المجتمع ومستقبل البلاد، وهو يعرف والنظام يعرف حجم المخالفات التى تم ارتكابها والتى ينبغى أن تتولاها الأجهزة الرقابية، لكن لا توجد إرادة سياسية لوقف النزيف، والأسرة الصحفية لديها الإرادة، وتنتظر التغيير على يد نقيب الاستقرار.