شارك آلاف التونسييين رجالا ونساء وأطفالا، السبت، في الاحتفالات بالذكرى الأولى للإطاحة بنظام زين العابدين بن علي وتدشين «الربيع العربي»، وذلك خصوصا في شارع الحبيب بورقيبة الرئيسي بالعاصمة التونسية. وردد الحشد الكبير في حبور باللهجة التونسية «مالا راحة من بن علي» (كم هو مريح التخلص من بن علي)، قبل أن يستعيدوا لحظة خلدها التاريخ، هاتفين كما فعلوا قبل عام بصوت واحد الكلمة الشهيرة التي لقيت صدى عربي وعالمي «إرحل» (ديغاج بالفرنسية). وتقاطر التونسيون منذ الصباح الباكر على وسط العاصمة، وبعضهم قضى ليلته أمام مبنى المسرح البلدي في قلب العاصمة، حتى لا يفوت على نفسه الاحتفال بالحدث في الصفوف الأمامية. وفي أجواء مرحة، جاب أحد التونسيين مرتديا قناع وجه يجسد صورة بن علي وهو مكبل اليدين، ويرتدي لباسا تقليديا سعوديا، برفقة زوجته ليلى الطرابلسي، الشارع طولا وعرضا في ما يشبه محاكمة شعبية للمخلوع. وقال المتشبه ببن علي «في انتظار جلبه نقيم له اليوم محاكمة ثورية رمزية» وسط هتاف الحاضرين ب«ضرورة إعدامه». وتجاهلت الرياض طلب تونس تسليمها بن علي لمحاكمته بتهمة القمع الدموي للثورة على نظامه وأيضا في قضايا فساد. وكانت السلطات التونسية الموقتة قررت في عهد الرئيس المؤقت السابق فؤاد المبزع اعتبار 14 يناير من كل عام «عيدا للثورة والشباب»، تخليدا لليوم الذي أطاح فيه الشعب التونسي بنظام بن علي الذي حكم البلاد بقبضة من حديد طوال 23 عاما. وقالت نجلاء التي قدمت للاحتفال برفقة أفراد عائلتها «هي المرة الأولى التي نحتفل فيها بالثورة نتيجة الأوضاع الأمنية وتسونامي المشاكل التي تتالت». وقال سمير عمران، وهو رجل كان يصطحب ابنتيه وزجته «نحن هنا لنحتفل بهذا اليوم التاريخي بكل فخر.. أنا سعيد لأن أبنائي سيكبرون في وطن حر أصبح نموذجا في العالم». وكانت بنتاه ترتديان علم تونس بينما كانت زوجته تحمل قطعة كعكة عليها شمعة واحدة في إشارة إلى الذكرى الأولى للثورة. وكانت وزارة الداخلية التونسية التي شكلت رمز سياسة القمع التي اتسم بها نظام بن علي ونظمت أمامها أكبر الاحتجاجات قبل عام، دعت الخميس إلى الاحتفال بهذا الحدث بهدوء وتسامح احتراما «لدماء الشهداء». ونصبت حواجز أمام مبنى الوزارة. ورفع المتظاهرون لافتة كبيرة تتوسطها خريطة تونس، محاطة بأسماء شهداء الثورة التونسية وعلى رأسهم محمد البوعزيزي، البائع المتجول الذي أقدم في 17 ديسمبر 2010 على إحراق نفسه أمام مقر ولاية سيدي بوزيد (وسط غربي) مهد الثورة التونسية احتجاجا على مصادرة بضاعته وإهانته ومنعه من إيصال شكواه إلى المسؤولين في المنطقة. وتوفي البوعزيزي في 24 يناير 2011 متأثرا بجروحه. وأشعلت حركته اليائسة ثورة شعبية لا سابق لها، أطاحت بنظام بن علي وأشعلت فتيل الربيع العربي الذي أطاح بأربعة من القادة العرب حتى الآن. واستشهد أكثر من 300 تونسي في الثورة خلال شهري ديسمبر 2010 ويناير 2011. وقرر المرزوقي تسمية ساحة 14 يناير الواقعة قرب مقر وزارة الداخلية ب«ساحة الشهداء»، وتشييد نصب تذكاري يحمل أسماءهم ويخلد ذكراهم. ووزع حزب النهضة، أكبر الأحزاب في المشهد السياسي التونسي وأهم تشكيلات الائتلاف السياسي الثلاثي الحاكم في تونس، 1500 وردة على خمسة مطارات، لتقديمها للسياح الوافدين على تونس في هذا اليوم. واختارت مجموعة من الطلبة الاحتفال عن طريقتها بالثورة وانجزوا شبكة كلمات متقاطعة مساحتها 180 مترا مربعا و تتضمن 1850 قطعة من بينها 370 كلمة مستوحاة من الشعارات التي رفعت في مثل هذا اليوم من العام الماضي شارك في تركيبها الحضور في ممر المترجلين وسط الشارع الرئيسي. ولم يغفل المتظاهرون عن القضايا العربية بهذه المناسبة، إذ كانت الأعلام الفلسطينة والسورية حاضرة ورفع المتظاهرون شعارات منادية بتحرير فلسطين وبرحيل الرئيس السوري بشار الأسد. ومع الأجواء الاحتفالية التي شارك فيها أطفال لفوا أجسامهم بالعلم التونسي، وعلت فيها منبهات السيارات فرحا وحضرت فيها الاغاني الملتزمة، شكلت المناسبة أيضا فرصة للاحتجاج والمطلبية. ورفع متظاهرون أمام المسرح البلدي لافتات كتب عليها «شغل حرية كرامة وطنية»، و«أوفياء لدماء الشهداء»، و«ثورة الأحرار من أجل استكمال مهام الثورة»، و«التشغيل استحقاق يا عصابة النفاق». وقال منصور براهم (50 عاما) «نحن هنا للتأكيد على ضرورة عدم تفويت الاستحقاقات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية التي دعت لها ثورة الحرية والكرامة». ورأى سالم الزيتوني (33 عاما) أن «التونسيين قاموا بالثورة ضد الديكتاتورية من أجل حياة كريمة وليس بدافع مساعدة بعض الانتهازيين لتحقيق أهدافهم السياسية». وفي شارع الحبيب بورقيبة تجمع أيضا مئات الأشخاص مطالبين بإكمال أهداف الثورة وعدم الالتفاف عليها. وقال شاب اسمه وليد بن سالم «صحيح ان بن علي لم يعد موجودا ولكن أهداف الثورة لم تكتمل ويجب أن نبقى يقظين.. يجب فصل الدين عن السلطة ويجب إعادة الاعتبار لشهداء الثورة ويجب أن يلتفت الساسة إلى عاطلي تونس الذين أشعلوا الثورة وأعادوا الأمل». ورفعت مجموعة صغيرة بدت من أنصار حزب التحرير علمها الأسود مرددة «تونس إسلامية». كما جاب بعض المتظاهرين شارع بورقيبة مرددين «الشعب التونسي حر، لا أميركا لا قطر». وانتشرت الفرق الموسيقية في العاصمة احتفالا بهذا الحدث. وبمناسبة الذكرى الأولى للثورة قرر رئيس الجمهورية منصف المرزوقي إطلاق سراح 9000 سجين وتخفيف عقوبة الإعدام لحوالي 120 سجينا واستبدالها بالسجن المؤبد. وفي قصر المؤتمرات بالعاصمة أطلقت مراسم احتفال رسمية بحضور قادة ومسؤولين، عرب من بينهم أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني، والرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، ورئيس المجلس الانتقالي الليبي مصطفى عبد الجليل. وقدمت فرق موسيقية عروضا للحاضرين. وأمام مقر سفارة السعودية التي لجأ اليها بن علي نظم العشرات وقفة احتجاجية تطالب السعودية بتسليم الرئيس المخلوع لمحاكمته في تونس. وقال المحامي شرف الدين القليل «هذا التحرك الرمزي في الذكرى الأولى للثورة يهدف لإبلاع رسالة للسلطات في تونس أن الشعب التونسي لن يتخلى عن حقه في محاسبة قتلى شهداء الثورة». وبينما يشير مراقبون إلى أن تونس حققت تقدما ملحوظا في اتجاه منح الحريات وحقوق الإنسان فإنها لاتزال تعاني من أوضاع اقتصادية واجتماعية صعبة بارتفاع أعداد العاطلين عن العمل الى نحو 850 ألفا ارتفاعا من 600 الف قبل عام . وتجلت مظاهر استمرار الفقر في عدم توقف الاعتصامات والمطالب الاجتماعية في أغلب مناطق البلاد وبعد أسابيع من أول انتخابات تاريخية حرة شارك فيها ملايين التونسيين كونت تونس مجلسا تأسيسيا يضم علمانيين وإسلاميين لكتابة دستور جديد للبلاد.