الأحلام تتحول في كثير من الأحيان إلى حقائق على أرض الواقع، بشرط الإيمان بالقدرات والسعي على تطوير الموهبة ومواصلة العمل الدؤوب بلا توقف واليقين بالوصول إلى الهدف، الحدث هنا عن النجم أحمد شوبير في ذكرى مولده. أحمد شوبير، الإعلامي الأشهر في مصر والوطن العربي، وأحد أبرز حراس المرمى سابقًا في تاريخ الكرة بالمحروسة، كتب حلمه بقلم في كراسته المدرسية وهو طفلًا بمدرسة الرافعي الابتدائية مدونًا: «أنا أحمد عبدالعزيز شوبير حارس مرمى الأهلي ومنتخب مصر»، ولكنها السطور الحالمة التي تحولت إلى واقع. فلم يبخل شوبير في شراء بشكل أسبوعي صور لمثله الأعلى وقتها إكرامي الشحات حارس الأهلي العملاق، والتي كانت تكلفه 10 قروش من أجل إلصاقها بكتبه المدرسية، مع وضع صورته الشخصية بجوار إكرامي، ليكن حلمه نصب عينيه. لم يكن يتخيل الوالد عبدالعزيز شوبير أن صغيره الذي خرج إلى الحياة في الثامن والعشرين من سبتمبر من عام 1960 سيكون هو حارس مرمى منتخب أحفاد الفراعنة في مونديال إيطاليا بعد 30 عامًا. شوبير ظهر شغفه الكبير بكرة القدم منذ الصغر وبالتحديد مركز حراسة المرمى، في شوارع وميادين مدينة طنطا من خلال الدورات الرمضانية و«الكرة الشراب» التي كانت هي الأكثر تداولًا في الأحياء الشعبية بمصر خلال فترة السبعينات، وبعد محاولات عديدة منه لإقناع الوالد بالانضمام لنادي طنطا وافق عبدالعزيز شوبير المدير العام لإحدى الشركات، على أن يخطو نجله أولى خطواته مع المستديرة. الصبي صاحب الخمسة عشر عامًا،، كان عنيدًا فرفض تعليمات مدربه بشغل مركز لاعب قلب الدفاع وأصر على أن يكون حارسًا للمرمى، فرحل سريعًا عن النادي وتنقل بين صفوف الناشئين في زيوت طنطا والمحلة، إلا أن جاءت اللحظة الفارقة، ففي يوم تصفح فيه أحمد مجلة النادي الأهلي ناديه المفضل الذي عشقه في الصغر، فوجئ بخبر انتقال صديقه وجاره عادل القللي لصفوف ناشئي القلعة الحمراء، وعلى الفور نقل شوبير حقيبته الصغيرة وبات مقيمًا تحت منزل القللي منتظرًا إياه من العودة من القاهرة كي يرافقه ويصطحبه إلى اختبارات الأهلي. وبعدما توسط صديقه لعمرو أبوالمجد مدرب الناشئين وقتها في الأهلي لاصطحاب شوبير للاختبار، كذب أحمد على الوالد وأبلغه أنه سيخوض دورة رمضانية في شوارع طنطا خوفًا من رفض الأب فكرة السفر إلى القاهرة، حيث كان يرى الأستاذ عبدالعزيز شوبير نجله مهندسًا في المستقبل وليس لاعب كرة. شوبير طار إلى القاهرة مع فجر اليوم التالي ليكون أمام بوابة دخول الأهلي في تمام السادسة صباحًا، فلم يمتلك الصبر لبضع دقائق كي تُفتح أبواب النادي مع تمام السابعة، فقفز من فوق السور الحديدي واقتحم ملعب التتش، الحلم الذي طال انتظاره. الإعلامي الأبرز في مصر حاليًا أشار في وقت سابق إلى أنه ذهب للقاهرة بجنيهين فقط استمر بهما طيلة شهر رمضان الكريم، فكان يدبر أموره في العيش وتناول الطعام بقدر ما كان يمتلك من النقود ويرقد ليلاً في استراحة النادي بالمجان. وعانى حارس الأهلي طيلة مواسم عديدة من وجود حارسين هما الأفضل في تاريخ النادي الأحمر، الراحل ثابت البطل وإكرامي الشحات، حيث ظل حبيسًا لدكة بدلاء الفريق لفترة طويلة من الزمن صابرًا حتى تأتي الفرصة، ومن هنا جاء لقب «أيوب الكرة المصرية»، حتى بدأ يبزغ نجمه مع نهاية الثمانينات بالتزامن مع تقدم عمر ثابت البطل واقترابه من الاعتزال وتعليق إكرامي الحذاء. وعلى طريقة المثل الشعبي المصري «اللي يصبر ينول»، نال صبر شوبير خيرًا بتمثيل منتخب مصر بكأس العالم 1990 بإيطاليا في أول مشاركة للفراعنة بعد 56 عامًا من الغياب عن العرس العالمي، كما استحوذ بالطول والعرض خلال فترة التسعينات على مركز حراسة المرمى في الأهلي ومنتخب مصر، حيث حمل شارة القيادة في النادي الأحمر ونال ألقاب بالجملة على المستويات المحلية والعربية والأفريقية. وبالدموع في مشهد أليم مس قلوب جماهير الكرة المصرية بشكل عام بشتى ميولها وانتماءاتها ودع شوبير الملاعب وبكى بشدة في ليلة قرر خلالها اعتزاله بعد إصابة عنيفة في الكتف مع نهاية موسم 1995-1996 مسلمًا الراية إلى عصام الحضري. بطولة أمم أفريقيا عام 1998 بوركينا فاسو كانت بمثابة نقلة تاريخية في مسيرة أحمد شوبير بعد اعتزاله بعامين، فكانت بمثابة مولد نجم في الإعلام والتعليق الرياضي، حيث استغل صوته المميز وإلمامه وثقافته الكروية وحضوره أمام الميكروفون مقدمًا وجبة دسمة ومدرسة مختلفة في عالم التعليق الرياضي، قبل أن يكون أول من يقيم استوديو تحليل رياضي في مصر مع مطلع الألفية الحالية ويتنقل بين العديد من القنوات مقدمًا برامج رياضية يومية أُثرت المشاهد العربي وتصميمه الدائم على فتح الملفات الشائكة بجراءة يحسد عليها، ليُلقب بناظر الإعلام الرياضي. أحمد شوبير يبقى نجمًا ورمزًا للنادي الأهلي والكرة المصرية بشكل عام بمسيرته الحافلة، ويستمر ناظرًا للإعلام في مصر والوطن العربي،، عيد ميلاد سعيد.
