هنا «أبوبلح» عاصمة البلح الحيانى فى مصر أو أشهر قرية لإنتاج البلح الأحمر الحيانى الشهير والمعقل الرئيسى لهذا النوع من البلح الذى يعد أقدم وأشهر أنواع البلح المصرى، والذى نظم له الشعراء القصائد والأغانى، لكن تبقى الأغنية الأشهر «الحيانى الحيانى شوكنى جريده الحيانى» من الفلكلور المصرى الشعبى الإسماعيلاوى الشهير الذى يتغنى به طالعو النخل وهم يصعدون النخل ب«المطلاع» المصنوع من «اللوف» المستخرج من النخيل أيضاً. فى هذه القرية التى تمتد بطول مدخل طريق الإسماعيلية- السويس الصحراوى وحتى طريق السويس الزراعى وترعة الإسماعيلية ترى مشهد النخيل البديع وهو يتمايل بأطواله المختلفة فى لوحة فنية ربانية ما أروعها ويزينها اللون الأحمر لون البلح أو «النروز» كما يطلق عليه أهالى القرية والذى يبقى لونه أحمر حتى يتحول إلى اللون الأسود فيطلقون عليه «الرطب» الذى ذكر فى القرآن الكريم حينما أوحى الله إلى السيدة مريم بأن تهز جزع النخل فتساقط عليها رطبا جنيا. قصص وحكايات من عاصمة الحيانى ترصدها «المصرى اليوم» فى موسم جنى الرطب وسط أجواء الفرحة من الكبار والصغار وأغانى البلح الحيانى خاصة مع موسم وفير الإنتاج. «محمد أبوجودة» أشهر طالع نخيل بالقرية وهو يحمل مطلاعه المصنوع من الحبال وسندة ظهر مصنوعة من القماش والحبال واللوف المستخرج من النخيل يقول «موسم البلح هذا العام وفير وكما كان يقول أجدادنا «سنة للفلاح وسنة للبلاح». ويشرح معنى العبارة قائلا «إنه منذ قديم الزمن تعودنا فى القرية على أن سنة البلح يكون فيها البلح وفيرا، بينما يكون إنتاج الفلاح من باقى المحاصيل والخضر قليلا». ويضيف: «تعودنا على سنة تعطى للفلاح وتكون المحاصيل والخضر وفيرة جدا وسنة تكون للبلاح أو صاحب البلح ويكون فيها البلح وفيرا»، ويواصل حديثه بعد أن «حزم نفسه بالمطلاع وبدأ طلوع النخلة التى يبلغ ارتفاعها نحو 30 مترا قائلا: «تعلمت طلوع النخل من أبويا وعن جدى وجميعنا فى العيلة نصعد النخل وكانت البدايات صعبة لكن اختفت الرهبة والخوف مع مرور الوقت». وخلال أقل من دقيقتين كان محمد فى أعلى النخلة حاملا معه مشنة أو وعاء كبيرا مصنوعا من الجريد يضع فيه الرطب بعد أن يقوم بعملية هز «القنو» أو «السباطة» التى تضم عروقا بها البلح الأحمر والرطب داخل المشنة ثم ينزلها فى رفق إلى أسفل، حيث ينتظره محمد الطبلاوى وأبناؤه، حيث يتم تفريغها ثم يبدأ سحبها مرة أخرى لتملأ من جديد. يقول محمد أو جودة، طالع النخل، وهو على ارتفاع الثلاثين مترا يجمع البلح: «لا أنظر إلى الأسفل ولا أخشى السقوط»، ويضيف: «النخلة بتسمى على اللى بيطلعها ومحدش وقع من على نخلة ومات فى تاريخ القرية وهى شجرة مباركة مذكورة فى القرآن». وعلى بعد أمتار قليلة جلست «أم حسن» ستينية العمر مع الأبناء والأحفاد وهى تردد «حيانى يا بلح حيانى وطلعت اجيبه الحيانى شوكنى جريده الحيانى». وتقول: «جمع البلح يوم عيد لدينا فى قرية أبوبلح والموسم هذا العام وفير البلح والحمد لله والأسعار جيدة وإحنا نفسنا كل الناس تاكل بلح وميكونشى غالى يكون كويس ويكرمنا ربنا من وراه». ويكشف كمال السويسى، من أبناء القرية، عن وجه آخر للقرية والنخل بها يتعلق بعمل المئات من أبناء القرية والقرى المجاورة فى ورش الجريد التى تصنع الكراسى من الجريد، وأيضا صناعة العجوة من الرطب، وكلاهما يكون فى نهاية الموسم. «النخلة كلها منافع»، بهذه العبارة يتحدث عبدالراضى محمود، صاحب ورشة لتصنيع الكراسى من جريد النخل، مؤكدا أنه يعمل بصناعة الكراسى منذ عشرين عاما من مخلفات النخيل من الجريد واللوف. ويؤكد أنه وأبناءه سيد ومراد وعلى، وجميعهم فى المراحل التعليمية المختلفة، يعملون بالمهنة ولديهم طلبيات كبيرة لجودة المنتج، خاصة بالأماكن السياحية والفنادق على الشواطئ. ويشير إيهاب موسى، من العاملين بصناعة الكراسى، إلى أنها صناعة كبيرة قائمة على النخيل وتحتاج لتسويق ورعاية من الدولة، مؤكدا إمكانية تصديرها إلى الخارج وتحقيق عائد لمصر. وعلى نفس الصعيد وفى صناعة أخرى قائمة على البلح تقول عواطف سليمان، صاحبة مزرعة صغيرة للنخيل، إنها تصنع العجوة من الرطب فى نهاية الموسم ولها زبائن خاصة بها تأتى من أنحاء مصر لشراء العجوة وتخزينها لموسم الشتاء، وذلك من خلال استخدام الرطب ونزع بذرته «النواة» ووضعه فى أوان وأكياس وتخزينه، وتضيف أن عجوة الإسماعيلية أحلى عجوة فى مصر من النخل الحيانى. ويطالب أحمد الحجاوى، مهندس زراعى من سكان القرية، بعمل مهرجان للبلح على غرار مهرجان المانجو ومهرجان الفراولة التى تشتهر بهما الإسماعيلية ويؤكد أن شهرة البلح الإسماعيلاوى، خاصة الحيانى، وصلت العالمية وهو يحتاج للدعاية وفتح فرص استثمارية له تتكامل مع مشروع الدولة بإقامة أكبر مزرعة تمور فى العالم فى الواحات. ويؤكد الدكتور سيد خليل، وكيل وزارة الزراعة السابق بالإسماعيلية، نقيب الزراعيين الحالى، أن البلح الحيانى من أشهر أنواع البلح فى مصر، خاصة بالإسماعيلية التى تتميز بطعم مميز يفوق أنواعه فى مصر. ويشير إلى أنه وفق آخر إحصاء قبل نحو عام فإن عدد النخيل يبلغ 850 ألف نخلة بأنواعه المختلفة يمثل الحيانى نسبة 70 إلى 80% منه ويصدر منه إلى عدد من دول العالم.