بوصولك أمام عقار «فيصل المنكوب»، الذي اشتعل حريق بإحدى شققه بالطابق الثالث، وامتد إلى طابقين، تستقبلك رائحة الدخان، وعلى واجهته السواد كأنه يشير إلى وقوع كارثة هنا، انتهت بمصرع طفلة ونجاة أسرتها واثنين من الجيران من موت مُحقَّق عقب نقلهم إلى المستشفى متأثرين بالاختناق. حريق شقة فيصل.. رعب وصدمة بوفاة الطفلة «هاجر» الحزن على وجوه أهالى المنطقة الشعبية في الجيزة، منهم مَن يمر أمام العقار ويطل بنظرة إلى أعلى لشقة «هاجر»، ويتذكر اللحظات الأليمة حين صعدوا لإنزال صاحبة ال11 ربيعًا جثة هامدة، وأنقذوا شقيقتها، وقوات الحماية المدنية حملت أخاها الثانى ووالديها وجدتها إلى المستشفى، مع جاريهم رجل وحماته. كانت الساعة الثامنة صباحًا، والهدوء يعم المكان، حيث قطعته صرخات قاطنى العقار، المكون من 11 طابقًا: «شفنا النار بعنينا بتاكل كل شىء، والدخان كان شديد».. يشير أحد قاطنى المنزل إلى أن مَن كان بالطوابق العليا لم يستطع النزول حتى إخماد النار: «عشنا في رعب، واتصدمنا بوفاة الطفلة». حارس العقار كان يرتعش وهو يروى أن النار انتشرت في شقة أسرة أحمد محمود، صاحب محال تجارية، بالطابق السادس بسرعة مُذهلة، ويشرح: «طليت من الشارع لقيت الدخانة طالعة من البلكونة، ومعرفتش أطلع»، ويلهث وهو يكمل: «الأهالى تسلقوا من الناحية الأخرى لشقة الجيران، وعرفوا ياخدوا أخت (هاجر) من البلكونة، وأنقذوها، لكن الضحية كانت النار محاصرة أوضتها فاتخنقت»، ويحزن على ما أصاب بقية أسرتها: «بس محدش عرف ينقذ عائلتها بالكامل المصابين باختناق، لحد ما وصلت المطافى، وطلعوا على سلالم هيدروليكية، ونزلوهم، واكتشفوا اختناق رجل وحماته بالطابق الرابع، وأنزلوهم جميعًا أمام البيت، ووصلت الإسعاف ونقلتهم للمستشفى». منظر الحريق كأنه «نار جهنم» تملك الرعب من سيدة وهى تحكى أنها حاولت الصعود للدور الثالث، والنار أصابت وجهها بحرق بسيط: «كنت عاوزه أنقذ أرواح بنى آدمين»، وتبكى وهى تستذكر نزول رجل وحماته من الطابق الرابع، والحريق كان قد أصاب وجهيهما، وكانا يحكيان متألمين: «حاولنا نخرج، ونفتح باب الشقة، ماعرفناش، الولعة مسكت فينا». كان الأهالى يشبهون منظر الحريق ب«نار جهنم»، ويرددون الأدعية وأن يمر اليوم على خير، ويثنون سيدة تقطن بالطابق الثامن لمحاولتها الصعود إلى شقتها لإنقاذ ابنتها، التي تُركت وحدها: «بنتى هتموت يا ناس»، وما إن اقتربت من الدور الثالث حتى أُغمى عليها، وأُصيبت بحروق بسيطة، ونجح الجيران في إنزالها، وطمأنوها بوصول «الحماية المدنية»، وتنفست الصُعداء «لما بنتها نزلت سليمة». أحد الجيران يقول إن بداية انتباه الأهالى لوجود حريق كانت صراخ طفلة كانت تمر بالشارع، وأبلغت حارس «العقار المنكوب»: «يا عمو إلحق في حريق جامد» ليتمكن من الاتصال بالمطافئ، التي وصلت في وقت قصير. تفاصيل مأساوية في حادث حريق شقة فيصل العقار أُخلى بالكامل من قاطنيه، بناءً على تعليمات قوات الحماية المدنية والجهات المختصة حرصًا على سلامة السكان، عقب فصل التيار الكهربائى وخط الغاز الطبيعى عنه.. ووسط مشاعر حزن، شُيعت جنازة الطفلة «هاجر»، بعد تصريح النيابة العامة بدفن جثمانها، وطلب تحريات أجهزة الأمن حول الواقعة، وانتداب خبراء المعمل الجنائى لتحديد بداية الحريق ونهايته والأدوات المستخدمة في إحداثه، وتبين مبدئيًّا نشوبه بسبب ماس كهربائى في إحدى الوصلات. التحقيقات والتحريات الأولية أشارت إلى أن بداية الحريق كانت بشقة أسرة أحمد محمود، المكونة من زوجته وأطفالهما الثلاثة، وأنهم وقت اشتعال النيران كانوا غارقين في النوم، واستيقظوا إثر تصاعد الأدخنة التي حاصرتهم، وفارقت الطفلة «هاجر» الحياة نتيجة استنشاق الغازات السامة التي ملأت رئتيها.
