قبل بداية كأس العلم فوجئ «حسن»- اسم مستعار – بأحد أصدقائه يخبره أن هناك موقع إلكتروني جديد يُتيح المراهنة على نتائج مباريات كأس العالم، وسوف يحصل على المكسب بشكل فوري، أُعجب «حسن» بالفكرة وبدأ في طرح الأسئلة حول آلية اللعب والتربح إلكترونيا. مرّت دقائق قليلة، أخرج الهاتف وبدأ في الولوج إلى الموقع، وتسجيل بياناته ببساطة دون تعقيدات تذكر، ووضع رقم هاتفه ليتم تحويل المال عليها، يقول «حسن»: «الأمر في غاية البساطة، وضعت بيانات ليست ذات أهمية، الاسم ورقم الهاتف والبلد، كان لابد أن أضع مبلغا ماليا في المحفظة الإلكترونية لبدء المراهنة، في البداية وضعت عشرة جنيهات فقط، مع بداية المباريات بدأت في وضع مراهنات وفجأة قفزت العشرة جنيهات إلى 70 جنيها». خلال الفترة الماضية، بدأت ظاهرة جديدة في الانتشار سريعا بين فئات الشباب، بوجود تطبيقات مختلفة يمكن وصفها بمكاتب مراهنات محمولة ومتنقلة، توفر مصدر دخل للعديد من الشباب دون بذل أي مجهود، بل تمن للبعض ربح وفير دون المغامرة بمبالغ مالية كبيرة، فقط تحتاج لمحفظة إلكترونية ومبلغ مالي بسيط لتبدأ في المراهنة والتربح. «المراهنات» ليست حديثة يقول الدكتور أبوالعلا عطية، الخبير التكنولوجي، إن فكرة المراهنات ليست حديثة العهد إذ أنها متواجدة منذ فترة كبيرة وخاصة في المجال الرياضي، لافتًا إلى أنه قديما كان يتم عمل مراهنات في سباقات الخيل لذا هي ليست بالظاهرة الجديدة. وأضاف «عطية» في تصريح ل«المصري اليوم»: «مع التطور التكنولوجي الأمر أصبح أكثر سهولة ويسر، البعض يفضل الربح السريع والسهل لذا تجد مواقع المراهنات طريقها إلى هؤلاء الحالمين بالثروات الكبيرة السريعة، بل هناك بعض التطبيقات ومواقع المراهنات تضع مبلغ مالي في المحفظة الإلكترونية لمجرد التسجيل عليها للتحفيز على المشاركة بسرعة أكبر، مشيرا إلى أن هناك العديد من التطبيقات ومواقع المراهنات ظهرت مؤخرا في المجتمع العربي وبلغات متعددة وبدأت في جذب المراهقين والشباب سواء من هم في المرحلة الجامعية أو الأكبر سنا قليلا». الربح السهل والسريع استمر «حسن» في المراهنات على مباريات كأس العالم، وصل ربحه إلى رقم من ثلاثة أصفار، قفز فجأة في ضربة حظ، يقول: «أنا اتفاجئت إن الفلوس بتزيد، الموضوع استحوذ عليا، بدأ أتعمق أكثر في الموقع، وأتعرف أكثر على الالعاب المتاحة للمراهنة عليها، في البداية كان الامر مجرد لعبة لاستهلاك الوقت، لكن عندما رأيت أن المحفظة وصلت إلى 1000 جنيه، ذهبت على الفور إلى أحد الفروع وحصلت على مبلغ 500 جنيه من المحفظة الإلكترونية الخاصة بي، هل تصدق ذلك؟ بدأت اللعب بعشرة جنيهات وربحت أضعاف مضاعفة دون أي جهد يذكر». لم تستمر «حلاوة المكسَب» كثيرًا، إذ دخل «حسن» في دوامة الخسارة، الربح السريع يتحول إلى خسارة سريعة، الموقع يبدأ في استنزافه بشكل يومي، ليس فقط على المستوى المادي، يقول «حسن»: «ربحت 1000 جنيه، وللتحقق من الأمر، سحبت نصف المبلغ، اللعبة تحولت إلى حقيقة ملموسة، لم تعد تلك الأرقام أرقاما مجردة بل واقع ملموس، لكن ما حدث بعد ذلك كان أشبه بأفلام الرعب، بدأت أحول كل وقتي وأموالي إلى المراهنة، خسارة تلو الاخرى، عادت ال 1000 جنيه التي ربحتها وخسرت ضعفها، فجأة شعرت بالخطر، فقدت قرابة الألف جنيه في غضون 3 أيام فقط، هنا فقط أدركت فداحة الأمر». يتابع «حسن»: «هُنا بدأت أطرح عدد من التساؤلات، هل ما أفعله قانوني؟ هل من الممكن أن أتعرض لمساءلة قانونية؟ ولماذا لا يتم منع هذا النوع من المواقع وحجبها في مصر؟ وهل الاموال التي ربحتها تعد اموال حرام؟». يتلقف الدكتور أبوالعلا عطية الخبير التكنولوجي التساؤل الثالث حول إمكانية حجب تلك المواقع من عدمه، قائلا: «بالتأكيد يمكن حجب الموقع نفسه، ولكن التطور الكتنولوجي لديه حل لكافة أزماته، هناك طرق مختلفة يمكن من خلالها الوصول إلى المواقع المحجوبة، في رأي الشخصي الحجب ليس حلا، لكن الحل يكمن في وجود واعز ديني واضح ومحدد يحرم المراهنة، فضلا عن التوعية بخطورة مثل هذه المواقع فهي ليست إلى مصيدة للشباب الحالم بالثراء السريع». نجل لاعب الزمالك فجّر أحمد حسام ميدو، نجم نادي الزمالك ومنتخب مصر السابق، مفاجأة بأن نجله الذي لم يبلغ بعد سن الرشد يمارس لعبة المراهنات. وقال «ميدو» خلال تقديمه برنامج ريمونتادا على قناة المحور: «في موقع منتشر بين الأطفال والمراهقين الفترة دي، وبيستغلهم في لعب القمار وفيه آلاف الشباب بقوا بيراهنوا بشكل شبه يومي على مباريات كأس العالم أو الدوري المصري». واستكمل حديثه: «عرفت موضوع المراهنات بعد ما لقيت حد من ولادي من يومين معاه 2000 جنيه زيادة على فلوسه.. سألته جبتهم منين؟ قال لي براهن على المباريات عند كشك سجاير، أحد مواقع المراهنات متاح مجانا في مصر، وأولاد عندهم 12 سنة بيراهنوا». واختتم لاعب الزمالك السابق حديثه قائلا: «مفيش بلد في العالم بيتيح للطفل الصغير اللي عنده 12 و13 سنة إنه يعمل مراهنات من كشك السجاير، وأرجو من الجهات المعنية فتح تحقيق في الكلام اللي أنا بقوله». ماذا يقول القانون؟ يقول طارق نجيدة، المحامي بالنقض والدستورية العليا، إن القانون المصري يمنع المقامرة فقط لكن مواقع المراهنة ليست مجرمة بشكل أو بآخر في القانون. ويضيف نجيدة في حديثه ل«المصري اليوم»: «القانون المصري يمنع القمار وصدر القانون في عام 1957، ونص على أنه يجوز بإذن من الحكومة أن يكون هناك ما يسمى باللوتري وهي صورة من صور ألعاب المراهنات، وكانت منتشرة وموجودة واتوقع انها ما زالت مستمرة في أضيق الحدود وآخرها كانت اوراق اليانصيب التي يقدمها أحد البنوك المصرية بالفعل». ويتابع: «الصورة الجديدة للمراهنات الرياضية أو غير الرياضية التي تتم عبر التطبيقات والانترنت أو المواقع، هذه الصورة بالقطع تقع تحت طائلة القانون 73 لسنة 57 بالتأكيد هي ممنوعة ومجرمة، لكن تبقى الازمة أن تلك المواقع دولية لذا هنا نتحدث عن كيفية ضبط الجريمة فهي مسألة تقنية عابرة للحدود الوطنية وبالتالي الضبط بها سيكون صبا بشكل كبير ويصل إلى الاستحالة». تتصدى دار الإفتاء بشكل واضح وصريح لفكرة «المراهنات»، إذ أكدت أن المراهنة هي شكل من أشكال القمار وهي حرام بلا شك، واستشهدت دار الإفتاء بقول الله تعالى في القرآن الكريم: ﴿يا أَيُّها الَّذِينَ آمَنُوا إنَّما الخَمرُ والمَيسِرُ والأَنصابُ والأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ﴾ [المائدة :90]، وقوله سبحانه: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة: 188]، وقال عز وجل: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ﴾ [النساء: 29]. وأوضحت الإفتاء، أن هذه المسابقة إن كانت باشتراك مالي من المتسابقين فلا ريب أنها تكون من المراهنة والمقامرة الممنوعة؛ لأن المتسابقين بذلك يكون كل منهم قد أخرج مالًا معينًا ثم يأخذ الفائز منهم هذا المال جميعه، مضيفة أنه إذا لم يكن الاشتراك في هذه المسابقة بمقابل مالي؛ فإن الحكم الشرعي عليها بالجواز. واختتمت؛ فالاشتراك في مسابقة التكهنات الرياضية التي لا تتطلب دفع مال فيها جائز شرعًا إذا كان المتسابِق يبني توقعه على دراسات وتحليل منطقي.