خلال الأسبوع الماضى قرر حزب الوفد الجديد برئاسة الدكتور السيد البدوى تجميد عضوية الحزب فى ائتلاف أحزاب المعارضة الذى كان يضم الوفد والتجمع والناصرى والجبهة لحين طرح القرار على الهيئة العليا ومؤسسات الحزب.. صدر القرار فى أعقاب تصريحات الدكتور أسامة الغزالى حرب، رئيس حزب الجبهة، خلال الأيام الأخيرة، التى انتقد فيها قرار الهيئة العليا للوفد بالاستعداد لانتخابات مجلس الشعب المقبلة، جاء هذا الإجراء تأكيداً من الدكتور البدوى لإصراره على ضرورة تفعيل دور الحزب كلاعب أساسى فى الساحة السياسية المصرية، وهو موقف وإن نم عن تفرد فى شخصية الوفد فإنه فى الوقت ذاته يؤكد هشاشة هذا الائتلاف الذى يجمع ما بين الأضداد من أصحاب التيارات المتعارضة «لا المعارضة» التى لا تلبث أن تجتمع إلا وتفترق.. ولا شك فى أن الوفد يعتبر هو الركن الركين فى هذا التحالف الذى يضم أحزاباً مهما عظمت من موقفها لا تستطيع أن تطاول قامة وهامة الوفد. يقول التاريخ إن حزب الوفد ذا الشخصية المتفردة وصاحب المواقف التى لا تقبل أنصاف الحلول قد عانى خلال الربع الثانى من القرن العشرين من انشقاقات داخلية نتيجة تمسكه بفكر سياسى لا يحيد عنه، أفرزت هذه الحركات الانفصالية ثلاثة روافد حزبية تسرى على النهج الوفدى هى: الأحرار الدستوريون 1922، الهيئة السعدية 1938، الكتلة الوفدية 1943، ويرجع ذلك لإصرار الهيئة الوفدية فى ذلك الحين على عدم الانصياع للتوجهات والمآرب الشخصية لأعضاء الحزب الذين وإن اتحدوا فى الهوية إلا أنهم غلبوا آراء خاصة فكان أن نبذهم الوفد.. هذا هو الوفد القديم. واليوم وكما أكد النائب محمد مصطفى شردى، المتحدث الرسمى باسم الحزب- تعليقاً على الحدث- رفض الحزب أى هجوم من أى حزب يمس قيمة ومكانة الوفد، وأشار إلى سابق فشل سلاح المقاطعة الذى أثبت عدم جدواه فى الشارع السياسى المصرى مما انعكس أثره على انتخابات مجلس الشعب التالية فلم ينجح سوى 5 نواب وفديين فى انتخابات 95 بعد نجاح 34 نائباً فى انتخابات 87.. ومن جانبه، أكد النابغة القانونى الأستاذ بهاء الدين أبوشقة أن الوفد يحترم الرأى الآخر لكنه ليس من الضرورى أن ينصاع له، لذلك فإن الوفد يحترم رأى حرب لكنه لا يؤيده، وسيقرر خوض الانتخابات، ولتكن الانتخابات بين حزبين أو ثلاثة كبار فقط، مشيراً إلى أن المرحلة القادمة لابد أن تكون مطالبة المواطن المصرى بالتخلى عن السلبية المتمثلة فى عدم المشاركة فى الانتخابات وليس تخلى الأحزاب عن الانتخابات، لافتاً إلى أن الوفد لن يخوض الانتخابات بشعار «الهلال والصليب» وإنما بانتخابات قوية وبرامج انتخابية أقوى. وفى سياق آخر أضاف الأستاذ فؤاد بدراوى- نائب الرئيس عضو الهيئة العليا للحزب- أن الوفد ضرب مؤسسات يحدد مواقفه من خلال منظومة صنع القرار التى تحتذى بصالح الحزب وترسم له محاور عمله، ومهما كانت المواقف والقرارات فإن الحزب لن يوافق بأى حال من الأحوال على مقاطعة انتخابات مجلس الشعب القادمة لأنه بذلك يكون قد غامر بتاريخه فى الشارع السياسى، حيث ستوضح الانتخابات نسبة تأثيره ووجوده فى الشارع، خاصة بعدما سلطت جميع الأضواء على الحزب بعد الانتخابات النزيهة التى تمت به، وأكد أن الحزب قد قرر خوض انتخابات الشعب القادمة ب220 مرشحاً يمثلون أقوى وأنجح الشخصيات فى مواقعهم المختلفة بالمحافظات. من هنا، تثبت هذه الأحداث حقيقة مفادها أن القوى السياسية بمصر لابد أن تكون لها هوية شخصية وسياسية واضحة المعالم والرؤى والأهداف كى تستطيع أن تقدم للشعب المصرى كبديل مقترح وواقعى ومقنع وقابل للتنفيذ، أما هذه التحالفات الهشة التى تجمع ما بين الأصولى والتقدمى والليبرالى- ولكل منهم فكره ومنهجه- فهى لن تستطيع على الإطلاق أن تقول للناس نحن هنا.. إذاً، فقد أحسن الوفد صاحب التاريخ والفكر والهوية صنعاً أن أخرج نفسه من هذا الصخب السياسى. أعزائى القراء.. من الواضح أن الوفد فى ثوبه الجديد قد صار يستلهم من تاريخه النجاحات والعبر، وهذه هى شيم الكبار أصحاب التاريخ وصناعه، ويبدو أن الوفد الجديد قد بلغ رشده السياسى فى نسخته المعاصرة على يد الدكتور البدوى لثانى مرة.. كانت الأولى على يد الباشا فؤاد سراج الدين فى السبعينيات من القرن الماضى أما الثانية فإننا نعيشها الآن وهى بلا شك تعد إثراء للحياة السياسية بمصر.. وما أشبه الليلة بالبارحة. [email protected]