وضعت سواقى الفيوم المحافظة على الخريطة السياحية، وهى المحافظة الوحيدة المميزة بالسواقى وكانت تنافس العديد من المواقع السياحية، وأشهرها بحيرة قارون، ووادى الحيتان، والشلالات. وتعتبر الفيوم المحافظة الوحيدة في مصر التي كان ينتشر بها هذا النوع من السواقى، بالإضافة إلى دورها في نشر الزراعة بالمحافظة، التي احتفظت بتلك الأداة القديمة حتى بعد ظهور وسائل الرى الحديثة، وأصبحت الساقية جزءًا من نسيجها حتى صارت شعارًا للمحافظة، لكنها تحولت مؤخرًا إلى أثر بسبب الإهمال، لتفتقد المدينة الجمال والبهجة. قال محمد جمال خبير سياحى بالفيوم، السواقى هي أيقونة المحافظة وموجودة على الشعار الخاص بالمحافظة، وهى من أدوات الرى التراثية ولا يوجد مثيل لها في مصر، وكانت تضم الفيوم عددًا من السواقى يُقدر بالآلاف، وانقرضت حتى وصلت إلى بضع عشرات وتحاول المحافظة حمايتها من الانقراض، لتظل مزارًا سياحيًا، بعد الاستغناء عن خدماتها. وتابع «جمال»: مع حداثة العصر وتطور الآلات، بدأ الفلاحون يعتمدون على طرق الرى الحديثة، إضافة لتكلفتها العالية الفترة الحالية، فسعر الساقية الواحدة كان يتكلف قديمًا ما بين 2000 إلى 2500 جنيه، لكنها حاليًا تتكلف 15 ألف جنيه، بسبب ارتفاع أسعار الخامات، واحتكار أسرتين لهذه الصناعة بقرية سيلا. ويضيف «جمال»: تم ابتكار السواقى منذ 2000 سنة في العصر البطلمى، بعد اتجاه المصرى القديم إلى الزراعة في الفيوم، حيث تعتبر المحافظة الوحيدة المنخفضة، ولحاجة الفلاح القديم إلى رى الأرض من منسوب أدنى إلى منسوب أعلى، كان عليه أن يفكر في وسيلة لرفع الماء إلى الأرض الزراعية، فاستغل البطالمة شلالات بحر يوسف، المصدر الرئيسى للمياه في الفيوم، واستغل البطالمة هذه الشلالات في دفع «سواقى الهدير»، التي صنعت بأقطار مختلفة، حسب ارتفاع الأرض، لتجلب المياه من أسفل إلى أعلى بفعل قوة الدفع، دون حاجة إلى الاستعانة بالثيران، كما كان متبعًا في تلك الفترة، لتشغيل السواقى، ولعب انحدار الأرض دورًا كبيرًا في صناعة شلالات طبيعية من المياه، مختلفة الارتفاعات. وأشار «جمال» إلى أن المصرى القديم صنع سواقى الهدير من الخشب الأبيض، (العزيزى)، ودعمها بعروق الخشب وأجزاء من شجر الجزورين، المنتشر على حواف النيل والترع في دلتا مصر، حيث تتكون الساقية من أجزاء، أبرزها «التابوت»، وهو عبارة عن دائرة كبيرة، يختلف قطرها حسب قوة دفع المياه في المكان الذي توجد به الساقية، وحسب مساحة الأرض المراد سقايتها بالمياه. ويطلق صناع السواقى في العصر الحديث على هذا الجزء اسم «الدوارة»، نسبة إلى دورانه المستمر لرفع المياه، وهو الجزء الذي يشبه الدائرة، ويتم تغليفه من الجانبين بالخشب الأبيض، قبل ترك فتحات لخروج الماء، وهى فتحات يطلق عليها العيون، وهى عبارة عن قطع من الخشب، تثبت على الدوارة على شكل أرفف قوية، لتستقبل قوة دفع المياه، قبل أن تحملها إلى التابوت، في عملية ميكانيكية تحمل الماء من أسفل إلى أعلى، لسقاية الأرض. ويؤكد «جمال» أن هذا الاختراع العبقرى وهذه الفكرة التي ولدت على النيل، هي أصل فكرة التوربينات الحديثة، التي تحول الطاقة الحركية للماء لتشغيل الآلات وتوليد الطاقة الكهربائية، بعد انتشار السواقى في الشرق، ووصلت إلى روما والصين والهند في بداية القرون الميلادية، وغزت أوروبا في القرون الوسطى لتتحول لأهم اختراع تعتمد عليه المجتمعات، ليس فقط في رفع المياه للرى، بل استخدمت الفكرة لإدارة آلات أخرى للطحن وغيره، ولم يمض وقت طويل حتى أصبحت أوروبا مكتظة بسواقٍ أحدثت ثورة في الهندسة الهيدروليكية وتوليد الطاقة.