بعد عشرات السنين من الإهمال والتردى الشديد فى الحالة الإنشائية والبنائية لمبنى حلقة الأسماك «العتيقة» فى منطقة الأنفوشى التابعة لحى الجمرك وسط الإسكندرية، منحت محافظة الإسكندرية قبلة الحياة، لها من جديد، من خلال مشروع تطوير شامل بتكلفة تصل 230 مليون جنيه، ليعيد الحياة من جديد إلى الحلقة التى تجاوز عمرها 187 عامًا. ويتصدر مبنى الحلقة دعاء السوق «لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الحمد يحيى ويميت وهو على كل شىء قدير»، ويبدأ تجار الحلقة بفتح مزاد علنى فجر كل يوم بعد وصول الأسماك التى يتم صيدها من البحر، خاصة من دمياط والبرلس وإدكو، وتتعالى أصوات ونداءات التجار بعبارة تاريخية بالنسبة لهم للإعلان عن بدء المزاد وهى «ألا أونا.. ألا دو.. ألا ترى»، إذ يشمل المزاد مختلف الأنواع من الأسماك الطازجة بأشكالها وألوانها المتعددة، ويتضمن المزاد تحديد سعر الكيلو من السمك والحجم حتى يكون من نصيب صاحب السعر الأعلى. وتتنوع الأسماك التى يجرى عليها المزادات والتى تنتهى بحلول ال8 صباحا؛ لتشمل البربونى والمياس والدنيس والوقار والشراغيش والمرجان والمغازل واللوط، بالإضافة للجمبرى والكابوريا والسبيط. ويمتد المبنى القديم أفقيًا على شكل مستطيل يتوسطه صالة كبيرة بمساحة 1900 متر، به فتحات تنفذ منها أشعة الشمس، ويُقسم إلى باكيات تتراص إلى جوار بعضها البعض، وتبلغ مساحة كل منها حوالى 90 مترًا، كما يضم المبنى 16 باكية، و13 مخزنًا لخدمات التجار بالإضافة إلى 9 ثلاجات مخصصة لحفظ السمك. وتعتبر الحلقة بمثابة «بقيع» لعرض خيرات البحر من الأسماك التى يتم صيدها عن طريق مراكب الصيد على مدار سنوات عدة، وتعتبر معلما رئيسيا من معالم الإسكندرية، يعرفها القاصى والدانى ليس فقط ممن هم من أبناء الإسكندرية وإنما من مختلف المحافظات. تعانى الحلقة من انهيار وتدهور شديد فى الحالة الإنشائية لها فضلًا عن تدهور مجارى تصريف مياه السمك داخل الحلقة وانتشار روائح كريهة لا تطاق، بسبب عدم التصريف الجيد والمعالجة للأسماك أثناء تواجدها فى الحلقة لفترات طويلة منذ الساعات الأولى من الصباح وحتى بيعها كل يوم. ويحكى عدد من تجار السمك ل«المصرى اليوم»، أن مبنى حلقة السمك كان بمثابة معسكر تستخدمه قوات الاحتلال الإنجليزى، إذ وضعت يدها على الحلقة للتأكيد على توفير وتأمين الطعام للجنود الإنجليز خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية، وكان بائعو السمك يجتمعون على شكل حلقة كل صباح لبيع ما يصطادونه من البحر، ومن هنا سميت بحلقة السمك. محافظة الإسكندرية تنبهت إلى خطورة الوضع الحالى للحلقة وخطورة انهيارها فى أى وقت، فقررت تنفذ مشروع تطوير شامل للمبنى، بتكلفة تصل ل 230 مليون جنيه لإنشاء مبنى حديث مختلف تماما عن المبنى القديم الحالى، ويكون بمثابة 3 أضعاف المساحة الحالية للحلقة، فضلًا عن إنشاء مطاعم وثلاجات كبيرة لحفظ الأسماك للقضاء على الروائح الكريهة التى تنبعث من الحلقة بمجرد أن تطأ قدماك المبنى. وبمجرد أن تواردت أنباء عن تطوير الحلقة من خلال المشروع الرسمى، تسلل الخوف للتجار الكبار والصغار، مبدين تخوفهم من ترحيل تجار حلقة السمك، فما كان من اللواء محمد الشريف محافظ الإسكندرية، إلا أن حرص على لقاء عدد من تجار السمك بمقر الحلقة، وأطلعهم على مشروع تطوير الحلقة المقرر تنفيذه واستمع إلى استفساراتهم واقتراحاتهم، وذلك فى إطار خطة المحافظة لتطوير وإنشاء حلقة سمك على أعلى مستوى يليق بعروس البحر الأبيض المتوسط وفى ضوء توجيهات الدولة. وقال «الشريف»، إنه تم إطلاق إشارة بدء دراسة تطوير حلقة السمك، وإعادة تطويرها بالمستوى اللائق بمدينة الإسكندرية، منذ عام، فى ضوء الدعم الكامل من الدكتور مصطفى مدبولى، رئيس مجلس الوزراء. وأوضح المحافظ أن التكلفة المبدئية لمشروع تطوير الحلقة 230 مليون جنيه، مشيرًا إلى أنه سيتم البدء فى تطوير الحلقة الحالية ثم التوسع فيما بعد، لافتًا إلى أنه سيتم مراعاة جميع التجار بالحلقة من أصغر تاجر وحتى أكبر تاجر. ونفى المحافظ الشائعات المتداولة بشأن ترحيل تجار حلقة السمك من مكانهم الأصلى، مؤكدًا لتجار الحلقة أنه حرص على التواجد بينهم، والاستماع لمطالبهم قائلًا: «أى حاجة هيحتاجها التجار فى الحلقة الجديدة سيتم تلبيتها وفقًا للتصاميم الهندسية الصحيحة، والتى يعكف على وضعها متخصصون». وأضاف أن حلقة السمك التى تم إنشاؤها منذ عام 1934، وتعد من أهم الأسواق التجارية للأسماك فى نطاق الوجه البحرى، تعانى من تدهور البنية التحتية وسوء توزيع الأنشطة، وهذا لا يتناسب مع مكانتها التراثية والتاريخية، لذا كانت المحافظة بكافة أجهزتها حريصة على تطويرها بشكل يضاهى الأسواق الأوروبية. وأعرب تجار حلقة السمك عن سعادتهم باهتمام محافظ الإسكندرية بالاجتماع معهم وإطلاعهم على مشروع تطوير الحلقة. واستعرض محمد شوشة، المهندس الاستشارى للمشروع، الوضع الحالى للحلقة والوضع المستقبلى لها، والمكاسب التى ستعود على تطويرها، مشيرا إلى أن الحلقة الجديدة ستكون 3 أضعاف القديمة، وتضم كل الخدمات كما ستضم مجموعة من المحلات والمطاعم التى تخدم الحلقة، كذلك تم وضع حل جذرى للقضاء على مشكلة الرائحة، بالإضافة إلى إنشاء مخازن وثلاجات وموقف للسيارات وغيرها من أعمال التطوير. وعقدت الغرفة التجارية بالإسكندرية، برئاسة أحمد الوكيل، اجتماعًا لمناقشة تطوير الحلقة بحضور الدكتورة جاكلين عازر، نائب المحافظ، وتم خلال اللقاء مناقشة آليات تطوير وتنفيذ حلقة السمك، وتحديد أماكن التجار بالحلقة على الخريطة الخاصة به. وأكدت الدكتورة جاكلين عازر، خلال كلمتها، أن الهدف من تطوير حلقة السمك خدمة أهالى الإسكندرية والتجار، لافتة إلى أن الهدف من اللقاء توضيح آليات التطوير لكبار وصغار تجار السمك بالحلقة، فالجميع سيكون لهم مكان بالحلقة بعد التطوير.
