التشكيل الكامل للجنة القيم بمجلس النواب بدور الانعقاد الخامس    بعد أوتوبيس الجلالة.. 9 قرارات لمجلس الجامعات الأهلية لعدم تكرار الحادثة    وزير التعليم العالى يرأس اجتماع مجلس الجامعات الأهلية وإعلان تأسيس جامعة الوادي    فيديو وصور.. رئيس الأركان يشهد المرحلة الرئيسية للتدريب "ميدوزا -13" باليونان    فريق الصم وضعاف السمع بتعليم البحيرة يحصلون على البطولة الإقليمية فى الكرة الخماسية    رئيس صندوق الإسكان الاجتماعي: نسعى للشراكة مع القطاع الخاص لبناء 10 آلاف وحدة سكنية    التموين تتعاقد على استيراد 30 مليون بيضة وطرح الكرتونة ب 150 جنيهًا    سعر طبق البيض بالمجمعات الاستهلاكية بعد التعاقد على مليون بيضة    وزيرة البيئة: نبني على الجهود السابقة التي نجحت في مواجهة السحابة السوداء    نائب وزير المالية: "الإطار الموازني متوسط المدى" أحد الإصلاحات لسد الفجوة بين تخطيط وتنفيذ الموازنة    قمة مصرية روسية اليوم    مديرة صندوق النقد: ارتفاع الأسعار سيزيد من تحديات نمو الاقتصاد العالمي    الشرطة الأمريكية تعتقل محتجين مؤيدين لفلسطين في جامعة مينيسوتا    عشرات النواب الأمريكيين يدعون بايدن للسماح بدخول الصحفيين إلى غزة    عشرات المستوطنين يقتحمون باحات المسجد الأقصى    نابولي يغرد في صدارة ترتيب الدوري الإيطالي عقب الجولة الثامنة    "أكبر قلعة؟ متعود على الانسحاب".. مدحت شلبي يفتح النار على حسين لبيب    رئيس إنبي: لن نحصل على أموال من الزمالك حال فوزه بالسوبر.. والأهلي منحنا 21 مليون جنيه    واقعة فبركة السحر.. محامي مؤمن زكريا: اللاعب رفض التصالح وحالته النفسيه سيئة    إقرار التصالح بين أسرة ضحية الدهس وأحمد فتوح بجنايات مطروح (فيديو)    وزير الزراعة يطلق مشروع إطار الإدارة المستدامة للمبيدات في مصر    دخل وراهم دورات المياه.. فصل موظف مدرسة تحرش بطالبات إعدادي بالجيزة    إصابة 3 أشخاص في حادث انقلاب سيارة "فان باص" بطريق بني سويف الفيوم    نجوى كرم تحيي حفل رأس السنة بدار أوبرا دبي    هاني شاكر يغني اليوم في دار الأوبرا بقيادة المايسترو مصطفى حلمي    وزيرا الرياضة والتعليم يبحثان التعاون في مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان المصري"    هيئة الشراء الموحد: لدينا أكثر من 170 مصنعًا للأدوية في مصر    وزير الصحة يبحث مع نظيره العراقي الاستفادة من الخبرات المصرية في إنشاء وتجهيز المستشفيات    القصر العيني يطلق قاطرة الاعتماد نحو مستقبل الصحة    الشراء الموحد: وجود أكثر من 170 مصنعًا للأدوية في مصر يؤكد الاهتمام بتوطين صناعتها    إحالة مسجلين إلى الجنح لاتهامهم بسرقة شركة في المرج    المؤتمر الأوروبي الفلسطيني يدعو للوقف الفوري لعدوان الاحتلال على غزة    والد عمر كمال يكشف طبيعة إصابته.. وموقفه من نهائي السوبر    كوريا الجنوبية تدرس إرسال فريق مراقبة لأوكرانيا لتقييم قدرات جارتها الشمالية    علي جمعة يفسر قوله تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ}    احذر من الإفلاس يوم القيامة.. كيف تنجو من النار بعمل سهل وبسيط؟    وزير الصناعة: إصدار شهادات الإشراف الصحي والصلاحية للمنتجات الغذائية بداية من 2025    «الأزهر»: دورة مجانية لتعليم البرمجة وعلوم الروبوت للأطفال والشباب    مايا مرسى: مصر توفر الرعاية الصحية المنزلية لكبار السن    إصابة 8 أشخاص إثر انقلاب سيارة ربع نقل في الشرقية    أول رد من «الصحة» على فيديو متداول بشأن فساد تطعيمات طلاب المدارس    من أكرم إلى ياسر في مسلسل برغم القانون.. لماذا ينجذب الممثلون لأدوار الشر؟    الجنايات تحسم اليوم مصير أحمد فتوح بتهمة القتل الخطأ تحت تأثير المخدرات    في خدمتك| العمل تحدد شروط شغل 950 وظيفة بالقاهرة    رئيس «التنسيق الحضاري» عن فوزه بجائزة «الآثاريين العرب»: تتويج لرحلة 30 سنة ثقافة    دعاء جبريل للنبي عندما كان مريضا.. حماية ربانية وشفاء من كل داء    اختناق شخص في حريق بمخزن مشروبات غازية بالشرقية.. والحماية المدنية تسيطر على الوضع    رونالدو يقود تشكيل النصر المتوقع أمام الاستقلال في دوري أبطال آسيا للنخبة    النجمات لطيفة وجنات وريهام عبد الحكيم في ضيافة «الليلة العمانية» بالأوبرا    الكرة النسائية.. المدير الفني لفريق سيدات "مسار" يطالب الاتحاد بحلول لظاهرة الهروب من المباريات    الجارديان تلقي الضوء على مساعي بريطانيا لتعزيز قدرات القوات الأوكرانية في مواجهة روسيا    صناع عمل "مش روميو وجولييت" يعلنون تأسيس نادي أصدقاء للجمهور    تغطية إخبارية لليوم السابع حول غارات الاحتلال على رفح الفلسطينية.. فيديو    اللهم آمين| أفضل دعاء لحفظ الأبناء من كل مكروه وسوء    دعاء عند نزول المطر.. فرصة لتوسيع الأرزاق    ثروت سويلم: قرعة الدوري ليست موجهة.. وعامر حسين لا يُقارن    مديرة مدرسة الندى بكرداسة تكشف تفاصيل زيارة رئيس الوزراء للمدرسة    سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 22 أكتوبر 2024    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فقيهان ضد التيار (3-3).. الإمام الفقيه نجم الدين الطوفى
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 11 - 2011

اتسم موقف الفقه التقليدى من المصلحة بطبيعة متراوحة، فهو يُقر بأن المصلحة أصل له قيمته، وأن القرآن الكريم نص على ذلك مراراً وتكراراً، وأن الله تعالى الذى خلق الإنسان يعلم ما توسوس به نفسه وهو أقرب إليه من حبل الوريد، لابد أنه أدرى من الإنسان نفسه بمصلحته، وأنه ضمن المصلحة بما جاء من أحكام مما يعنى أن ليس للمصلحة أحكام يكون عليهم استدراكها، ومن هنا اتصف كلام الفقهاء عن المصلحة بنوع من الاقتضاب.
ولما كانت مهمة «الطوفى» فى تفسير حديث «لا ضرر ولا ضرار» هى إيجاب المصلحة وإبعاد المفسدة وكان باتجاهه المعتزلى يؤمن بالتحسين والتقبيح العقليين فإنه ضاق بهذا الأسلوب الفقهى المراوغ «نعم إن القرآن يعترف بالمصلحة.. ولكن المصلحة نفسها متضمنة فى القرآن». ضاق «الطوفى» بهذا المبدأ لأنه بدأ من المصلحة نفسها فانتهت به إلى أن القرآن يتفق معها دون أن يكون للمصلحة كيانها الخاص، وكان هذا هو السر فى جرأة وصراحة الفقهاء فى الانتقاد عليه عندما قال إن المصلحة هى المقصد الأسمى للشارع.
وكان «الطوفى» ذكياً وفطناً عندما حصر مبدأه فى مجال المعاملات الدنيوية ونحوها دون العبادات وشبهها «لأن العبادات حق للشرع خاص به، ولا يمكن معرفة حقه كماً وكيفاً وزماناً ومكاناً إلا من جهته، فيأتى به العبد على ما رسم له، ولأن غلام أحدنا لا يُعد مطيعاً خادماً له إلا إذا امتثل ما رسم له سيده، وفعل ما يعلم أنه يرضيه، فكذلك ههنا، ولهذا لما تعبدت الفلاسفة بعقولهم ورفضوا الشرائع، أسخطوا الله عز وجل، وضلوا وأضلوا، وهذا بخلاف حقوق المكلفين فإن أحكامها سياسية شرعية وضعت لمصالحهم، فكانت هى المعتبرة، وعلى تحصيلها المعول.
ولا يقال إن الشرع أعلم بمصالحهم فلتؤخذ من أدلته، لأنا قد قررنا أن رعاية المصلحة من أدلة الشرع، وهى أقواها وأخصها، فلنقدمها فى تحصيل المصالح».
مع هذا وأنه فى فكرته عن المصلحة يقصرها على الدنيويات دون أن يتعرض للإلهيات فقد ثار عليه المجتمع الإسلامى وقتئذ، وعندما زار مصر فإن السلطات نفته إلى إحدى مدن الصعيد، ولم يشذ واحد من الفقهاء فى الحملة عليه، وكان أشدهم الشيخ زاهد الكوثرى وهو عالم تركى هاجر من تركيا عندما اضطهد مصطفى كمال أتاتورك الشيوخ وألغى الخلافة، فقال «ومن جملة أساليبهم يقصد المرجفين فى محاولة تغيير الشرع بمقتضى أهوائهم قول بعضهم إن مبنى التشريع فى المعاملات ونحوها المصلحة، فإذا خالف النص المصلحة يترك النص ويؤخذ بالمصلحة، فيالخيبة من ينطق بمثل هذه الكلمة ويجعلها أصلاً يبنى عليه شرعه الجديد، وما هذا إلا محاولة نقض الشرع الإلهى لتحليل ما حرفه الشرع باسم المصلحة. فسل هذا الفاجر ما هى المصلحة التى تريد بناء شرعك عليها؟ إن كانت المصلحة الشرعية فليس لمعرفتها طريق غير الوحى حتى عند المعتزلة الذين يُقال عنهم إنهم يحكّمون العقل، وإن كنت تريد المصلحة الدنيوية على اختلاف تقدير المقدرين فلا اعتبار لها فى نظر المسلم عندما يخالفها النص الشرعى إذ العقل كثيراً ما يظن المفسدة مصلحة بخلاف الشرع، وأما المصلحة المرسلة وسائر المصالح المذكورة فى كتب الأصول وكتب القواعد ففيما ما نص فيه باتفاق بين علماء المسلمين، فلا يتصور الأخذ بها عند مخالفتها بحجج الشرع».
وأول من فتح باب هذا الشر شر إلغاء النص باعتباره مخالفاً للمصلحة هو النجم الطوفى الحنبلى فإنه قال فى شرح حديث «لا ضرر ولا ضرار» إن رعاية المصلحة مقدمة على النص والإجماع عند التعارض.
ومن الذى ينطق ينطق لسانه بأن المصلحة قد تعارض حجج الله من الكتاب والسُّنة والإجماع؟ إن القول بذلك قول بأن الله لا يعلم مصالح عباده فكأنه أدرى بها حتى يتصور أنه تعارض مصالحهم الأحكام التى دلت عليها أوامر الله المبلغة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم، سبحانك هذا إلحاد مكشوف، ومن أعار سمعاً لمثل هذا التقول فلا يكون له نصيب من العلم ولا من الدين.
«وليست تلك الكلمة غلطة فقط من عالِم حسن النية تحتمل التأويل، بل فتنة فتح بابها قاصد شر.. ومثير فتن» (انتهى).
ومع قسوة هذه الكلمات فإن اتجاهات الفقهاء المعاصرين وإن كانت أقل حدة إلا أنها فى إجمالها تذهب إلى أن «الطوفى» أخطأه التوفيق وغلب عليه الغلو، حتى وإن كان أحد الأعلام الثلاثة فى المذهب الحنبلى وهم ابن تيمية وابن القيم، وذهب الشيخ أبوزهرة إلى أن اتجاه «الطوفى» إنما يعود إلى أنه كان شيعياً.. والشيعة يرون أن النص ما زال قابلاً للنسخ وأنه «رأى شاذ بين علماء الجماعة الإسلامية عموماً.. وعلماء المذهب الحنبلى خصوصاً».
كما أن الشيخ عبدالوهاب خلاف رأى «أن الطوفى قد فتح باباً للقضاء على النصوص وجعل حكم النص أو الإجماع عرضة للنسخ بالرأى، لأن اعتبار المصلحة ما هو إلا مجرد رأى أو تقدير، وربما قدر العقل مصلحة وبروية والبحث قدرها مفسدة، فتعريض النصوص لنسخ أحكامها بالآراء وتقدير العقول خطر على الشرائع الإلهية وعلى كل القوانين، ثم هو قد سلم بأن العبادات والمقدرات لا مجال للاصطلاح فيها، وسلم بأن الأحكام الكلية التى شُرعت لحفظ الضروريات والحاجيات لا مجال فيها أيضاً للاصطلاح لأنها متفقة دائماً والمصلحة، ولم يورد أى مثال لجزئية ورد نص بحكمها وعارض هذا الحكم المصلحة ليتبين مقدار المصلحة فى رأيه وعلى أى ضوء يقدرها».
ورأى الشيخ على حسب الله «أن فى رأى الطوفى مغالاة وافتراضاً لما يبعد وقوعه من تعارض المصلحة المحققة مع النص المقطوع به».
وقد عالج الأستاذ الشيخ محمد أبوزهرة قضية المصلحة عند «الطوفى» فى كتابه «أحمد بن حنبل» باعتبار «الطوفى» حنبلياً بنوع من التفصيل نقتبس منه: «لقد اتفق الذين قالوا إن المصلحة أصل قائم بذاته يؤخذ به حيث لا نص فى الموضع على أنه حيث وجدت المصلحة المحققة أو التى يغلب على الظن وجودها فهى مطلوبة، وإنما موضع النزاع فى التعارض بين المصلحة المحققة والنص القاطع فى سنده ودلالته، لقد فرض الطوفى أن التعارض يتحقق وأنه يقدم المصلحة على ذلك النص، وقرر المالكيون ومن سلك مسلكهم من الحنابلة غير الطوفى أن المصلحة ثابتة حيث وجد النص، فلا يمكن أن يكون هناك مصلحة مؤكدة أو غالبة والنص القاطع يعارضها، إنما هى ضلال الفكر أو نزعة الهوى أو غلبة الشهوة أو التأثر بحال عارضة غير دائمة أو منفعة عاجلة سريعة الزوال أو على التحقيق منفعة مشكوك فى وجودها، وهى لا تقف أمام النص الذى جاء عن الشارع الحكيم، وثبت ثبوتاً قطعياً لا مجال للنظر فيه ولا فى دلالته، أما إذا ثبت الحكم بنص قد ثبت بالظن إذا كان الاحتمال فى سنده أو كانت دلالته ظنية، فقد قرر أحمد بن حنبل رضى الله عنه أن النص أولى بالاعتبار والمصلحة لحقيقة فيه وما عارضه توهم مصلحة كيفما كان.
وأما مالك فقد أوثر عنه أنه يخصص ما يثبت بالظن بالقياس إن تضافرت شواهد القياس واعتمد على أصل مقطوع به، والمصلحة عنده من ذلك الصنف إن ثبتت بطريق قطعى إذ يكون بين أيدينا أصلان متعارضان أحدهما فى سنده ودلالته، والآخر قطعى فى دواعيه وثبوته، وفى هذه الحال يقدم القطعى على الظنى وإن كان النص قرآناً ظنى الدلالة خصص، وإن كان خبر آحاد يكون هذا تضعيفاً لنسبته عن طريق الشذوذ فى متنه لأنه إن خالف مصلحة راجحة مؤكدة يكون مخالفاً لمجموع الشواهد الشرعية المثبتة لطلب المصالح ودفع المضار.
لقد أتعب هؤلاء السادة أنفسهم فى التحقيق والتفصيل والتفضيل، فى حين أن الرسول، صلى الله عليه وسلم، أراحهم عندما قال «أنتم أعلم بشؤون دنياكم»، ومادام «الطوفى» قصر آراءه وأحكامه على «دنياكم» فلا إشكال.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.