أعجبنى مقال للناشط الشاب وائل غنيم، وضعه على صفحته بموقع التواصل الاجتماعى «فيس بوك»، يشير فيه إلى ما أصبحت تطالب به الناس جميعا وما يعمد القائمون على أمور البلاد لتجاهله أو تأجيله قدر الإمكان، وهو انتخاب رئيس للجمهورية فى هذا البلد، الذى أكمل ما كاد يقترب من العام دون أن يكون للدولة رأس. إن هذا الشعب العريق ليس قاصراً، ولا هو غير قادر على اختيار رئيس الجمهورية، وقد لا يعرف البعض أن المصريين كانوا أول من اختار حاكمه بالإرادة الشعبية، ويذكر التاريخ المصرى القديم كيف حملت الجماهير القائد أحمس الثانى على الأعناق ونصبته فرعونا على مصر، فكان بذلك أول حاكم فى التاريخ يتولى السلطة بالإرادة الشعبية. إن من يقرأ المؤرخ اليونانى القديم هيرودت يجده توقف كثيراً عند تاريخ أحمس الثانى وهو ليس أحمس الأول فرعون الأسرة ال18، الذى حرر البلاد من الهكسوس، والذى سمى على اسمه، فقد أفرد هيرودت لأحمس الثانى مساحة كبيرة فيما كتبه عن تاريخ مصر القديمة، مشيداً بإرادة الجماهير المصرية التى استطاعت فى ذلك الزمن السحيق أن تأتى بفرعون من اختيارها فى زمن لم تكن فيه انتخابات، ولا مجلس شعب أو شورى، وهو يصف أحمس الثانى فيقول إنه كان فرعونا محبوبا، ذا أصول شعبية متواضعة وأنه كان - على حد قوله- من أوائل الحكام الذين أتوا إلى الحكم بإرادة الشعب. ويقول التاريخ المصرى القديم إن الفرعون السابق على أحمس الثانى كان «هايب رع»، وهو الفرعون الرابع فى الأسرة ال26 فى العصر الصاوى الذى كان مركز الحكم فيه مدينة صان الحجر، وقد وصل «هايب رع» فى نهاية حكمه إلى درجة من القمع والاستبداد أدت بالشعب إلى حالة من التذمر والغضب، فزادت القلاقل وسرت فى البلاد حالة من الاضطراب وعدم الاستقرار. وكان أحمس الثانى يعمل ضمن بلاط «هايب رع» لكنه أبعده كما يتم إبعاد الوزراء الذين يحققون شعبية بين الجماهير، فجعله قائداً للجيش فى جنوب البلاد، بعيداً عن صان الحجر فى الشمال. لكن أحمس لم يكن ليقبل بالحالة التى وصلت إليها البلاد، حيث استشرى الظلم والفساد فتحرك إلى الشمال ونازل قوات «هايب رع» ثلاثة أيام حتى هزمه فهرب هذا الأخير خارج البلاد، فحملت الجماهير أحمس الثانى فوق أعناقها ومضت به تتوجه فرعونا على «كمت»، كما كانت تسمى مصر فى اللغة المصرية القديمة، أى الأرض السوداء، وهكذا صار أحمس الثانى فرعونا على مصر من عام 570 ق. م إلى عام 26 ق. م، رغم أن والده كان بناء وكانت والدته تصنع الجعة. ومع حكم أحمس الثانى بدأت تنصلح أحوال البلاد فى الداخل وحقق «أحمس» فتوحات مجيدة فى الخارج وفرض سيطرته على قبرص، التى كانت مركزاً لأساطيل الغزاة، كما أقام المعابد فى جميع أنحاء البلاد وقام بترميم معبد دلفى الشهير فى سيوة، فقد كانت عظمة الحكام فى ذلك العصر لا تقاس بالانتصارات العسكرية وحدها وإنما أيضاً بما شيده الحاكم من مبان. ويذكر التاريخ لأحمس الثانى أنه أول من سن قانون «من أين لك هذا؟» وصار على كل مواطن أن يمثل أمام حاكم محافظته مرة فى السنة، ليحدد له كيف حصل على أمواله خلال العام المنصرم، فإذا عجز عن تبيان مصدر ثروته تعرض للمساءلة القانونية. لكن بدايات عصر أحمس الثانى لم تسلم من الصراع بين حكم المؤيد من الشعب وبقايا الحكم القديم من النبلاء، فلم يكونوا قد اخترعوا بعد كلمة «الفلول»، كما كان يواجه أيضاً الكهنة الذين كانوا يستخدمون الدين لأغراضهم السياسية حيث لم يقبلوا أن يحكم البلاد من لا يدين لهم بالولاء، ثم قام الفرعون المخلوع «هايب رع» بالعودة من منفاه على رأس قوات من البابليين الأعداء فى الشرق وذلك بعد ثلاث سنوات من خلعه، ليحاول غزو مصر واسترداد عرشه، لكن أحمس الثانى هزمه وقتله فى المعركة، ثم أمر بدفن جثته فى المقابر الملكية بصان الحجر. بما يليق بفراعين مصر، وبعد ذلك استقر حال البلاد وبدأ عهد من التقدم والازدهار كان الشعب هو صانعه، بعد أن اختار رأس الدولة بإرادته الحرة. هذه صفحة مشرقة من تاريخ مصر القديم، فى القرن السادس قبل الميلاد، فهل يا ترى هى قابلة للتكرار فى القرن ال21 بعد الميلاد؟