توقفت السيارة نصف النقل على جانب الطريق المترب إلى جوار صندوق مخلفات تحيطه القاذورات وبقايا الطعام الفاسد، بحركة مدربة متزامنة شد السائق فرملة اليد بيمناه وفتح الباب بيسراه، وانزلق من السيارة مسرعًا، تسبقه أصابع قدميه المتسخة البارزة من شبشبه ذى السير الرفيع. برشاقة، قفز داخل صندوق المخلفات وراح يطوح بالأكياس البلاستيكية المترهلة تجاه صندوق السيارة، ببراعة راح طفل، لا يتجاوز العاشرة من عمره، يلتقطها ويلقيها جانبًا، بدا كحارس مرمى يتصدى لسلسلة من ضربات الجزاء، أحيانًا يفلت منه كيس فيستقر فى صندوق العربة محدثًا صوتًا مكتومًا. بمقدار ما يخرج السائق من أكياس يختفى جزء من جسمه فى الصندوق الضخم، بعد ما انتهى قفز خارجه، كانت أصابع قدميه ويديه أكثر قذارة، مسح كفيه فى جانبى بنطاله، ثم فتح باب السيارة وانزلق فيها، وبذات الخفة أنزل فرملة اليد وأدار المحرك وانطلق. تأرجح الطفل لكنه سرعان ما كان يستعيد توازنه ويشرع فى شق الأكياس، بحركة تلقائية يلقى العبوات البلاستيكية فى زكيبة كبيرة على يساره تزاحمها أخرى على يمينه لعلب العصائر المعدنية وفوارغ علب التونة والسالمون، ويدس الكرتون والورق المقوى فى زكيبة خارج السيارة معلقة بخطاف فى الضلفة الخلفية، والعبوات الزجاجية فى البرميل البلاستيكى المنزوى فى ركن بالمقدمة. تكررت الدورة بعدد صناديق المخلفات التى مرا بها؛ سائق موتور؛ يسرع ويبطئ ويتوقف، وصبى يفرز فى وقفته المضطربة ما يلقى إليه من أكياس، فلا يكاد ينتهى حتى تتسلل يده المتسخة بين زكيبتى البلاستيك والخردة تُخرج طيارة ورق ملونة تشوهت نقوشها، يرفعها عاليًا ويُرخى لها الحبل شيئًا فشيئًا، تتأرجح مرتفعة عكس اتجاه السيارة، يسند ظهرة على زكيبة البلاستيك، يراقب مبتهجًا ارتفاعها البطىء ما استطال الخيط، فيما تتعلق عيناه بشراشيب ذيلها المصبوغ بألوان أحلامه، قبل أن يفجعه توقف السيارة المفاجئ عند صندوق المخلفات التالى.
