أقف حائراً بين ثلاث عبقريات.. عبقرية شعب لا تهمه المعارضة ولا يكترث بالحكومة.. عبقرية معارضة تعتقد أنها تملك الحقيقة فترفض الشعب والحكومة.. عبقرية حكومة– وأغلبية– لا ترى المعارضة ولا الشعب!! تمضى «عيلة نظيف أفندى» فى مسيرتها المظفرة لصنع الرخاء، فإذا بها تكرس وتؤكد الفقر والعشوائية.. ثم تدعونا للبحث معها عن إجابة للسؤال: لماذا لم يجن الشعب ثمار التنمية التى نصنعها؟!.. الحكومة تقدم لنا الإجابة ثم تطلب منا صياغة السؤال الذى يحلو لنا!!.. الشعب يرفض كل ما حوله.. يرفض الإنصات للحكومة أو المعارضة.. لا يثق فى كلتيهما.. الكارثة أن الشعب فقد ثقته فى نفسه!!.. المعارضة تتعامل مع الأمة باعتبارها صاحبة «إعلام الوراثة» لحكومة ماتت فى خيالها وشعب قاصر يستحق الوصاية عليه حتى يبلغ سن الرشد!! حارت البرية.. احتارت مراكز الدراسات السياسية والاستراتيجية والاجتماعية فى أمر «الشعب المصرى الشقيق».. مرة يرون مصر على وشك انفجار.. يتراجعون فيقولون إن المجتمع المصرى يغلى.. يقدمون شهادات نجاح فى حق الحكومة استنادا للأرقام، التى تكذب وترقص وتغنى!!.. ثم يؤكدون أن المعارضة امتلكت زمام الأمور وانطلقت على طريق التغيير بقوة دفع رهيبة.. زعموا أن «سيدى محمد البرادعى» حامل لواء التغيير، وصاحب عجلة القيادة نحو مجتمع جديد.. ناقشوا وحللوا.. قدموا نتائج سابقة التجهيز.. وسبق لهم أن فعلوها مع المد الذى اكتسبته جماعة الإخوان المسلمين المحظورة على الورق!! الحالة المصرية لا يمكن توصيفها وفق منطق أو منهج عاقل.. ليست عشوائية.. فحتى العشوائية لها قانون وتعريف وضوابط.. لكنها حالة مصرية خالصة يصعب تحليلها أو تفسيرها أو الوصول إلى نتائج لها على المدى القصير أو المتوسط أو الطويل.. فإذا كنا قد استطعنا صنع التنمية بمعدلات تلامس 7% وفق تفسير الحكومة.. فالمجتمع يتراجع إلى ما دون الصفر وفق قياسات الفقر والغنى وتعريف الطبقة المتوسطة.. تلك معادلة لا يمكن أن نرى مثيلها فى أى بقعة من بقاع العالم.. معارضون أكثر ثراء وأمانا، من الذين يؤيدون وينافقون الحكومة والنظام.. الذين ينشدون التغيير يخشون أن تنتهى مغامرتهم إلى النتيجة المنشودة.. تجارتهم تكسب باستمرار عبر هذا التدهور وتأكيد الفساد لذاته.. فإذا كان القائل بأن: «الفساد فى المحليات وصل إلى الركب» هو من هو وحجمه ووزنه فى النظام معروف بالضرورة.. فقد غاب وعاد ليقول: «لعنة الله على الخصخصة واللى عملوا الخصخصة».. الدكتور «زكريا عزمى» صاحب هذه الصرخات– ليست اتهامات– وهو بذلك زعيم ثائر يرفض الأوضاع القائمة.. وهو فى الوقت ذاته واحد من أهم أركان الأغلبية والنظام.. تسألنى كيف يصدر هذا الكلام عن ذاك المسؤول.. أعترف بأنى حرت جوابا!! كل أحزاب المعارضة وتياراتها تشتبك مع بعضها.. تأتلف حينا.. تتصارع أحيانا.. تتفق صباحا.. وتختلف باقى أيام الأسبوع.. لكنها تنشد التغيير. قد تكون الحالة التى نعيشها هى معادلة «طظ» التى كان يرددها «محجوب عبدالدايم» فى القاهرة 30، وصاغها مبشرا بالمستقبل عبقرى مصر وصاحب نوبل «نجيب محفوظ».. وللأسف الذين يحاولون أن تطال قامتهم قامته يعتقدون أن النضال السياسى يصنع الأديب، بينما الأدب يمكن– غالبا– أن يصنع التغيير.. لكن الأطباء لا يدركون تلك الحقيقة!! الموضوعية فى الإعلام لا يمكن أن تكون شعارات وياقات بيضاء مع كلمات بطعم العسل تقتل كل من يسمعها.. والسياسة ليست تجارة يتنقل بها أساتذتها بين مدرجات العلم وقصور الأمراء والشوارع مع الفقراء!! الحالة المصرية فرضت علينا أن نعيش انقلابا من جانب رجال العدالة ضد رجال العدالة.. الشعب يحارب الشعب.. المعارضة تتصارع مع المعارضة.. الأغلبية تنازع نفسها ما بين حرس قديم وحرس جديد.. المثقف فى وطننا أصبح جاهلا.. الجاهل تحول إلى علم ونجم.. التجار يقدمون الثوار عبر صحفهم وفضائياتهم.. الحكومة تتخفى خلف المعارضين الذين ينفذون ما تأمرهم به.. من فينا الكبير ومن منا الصغير؟!.. لم نعد نعرف.. كل الرحمة والتقدير لأصحاب العقول الذين ذهبوا وفارقوا مسرح الحياة المصرى– للمفارقة.. المسرح مات فى عصرنا– فالتمثيل على أرض الواقع تجاوز قدرة المبدعين على تقديم نص.. والفنانين على تجسيد الشخوص.. وبقى مخرج واحد الكل يدور حوله، ليس هو رقم واحد ولا رقم 2 أو 3.. لكنه يحرك كل الأرقام وكلنا نتكلم عن عبقريته.. ننتظر رحيله– لكنه مستمر- ربما لأنه الحقيقى الوحيد عند كل المزيفين!! إلى أين نحن ذاهبون؟!.. الإجابة لا يملكها عاقل، وإن بشركم بها مجنون اسمعوه فقد تأخذون الحكمة من أفواه المجانين!! [email protected]