بعد الذى جرى بين «جناحى العدالة» خافوا على أنفسكم، فالقانون مات عند رجاله، والعدل نام فى يمين الأقوى. امشوا قرب الجدران ولا تقربوا نهر الشارع، ولا ترتادوا المقاهى، أو اتركوا كراماتكم خلف أبواب بيوتكم، لأنها ستهدر عندما يفتشكم «مخبر» لا يعرف غير سحق عظام البشر وتحويلهم إلى «حيوانات» يجرب فيها وسائله فى التعذيب. إن قالوا: اخلعوا ملابسكم فأجيبوهم، وإن طلبوا شهادة زور لا تترددوا، وإن جرجروكم إلى عتمة «أقسامهم» أطيعوهم، أرحم من أن تعذبوا وتقطعوا وتقتلوا ويلقى بكم عند أقرب رصيف غارق فى «الزبالة»، ستقتلون وستلاحقكم تهم معدة بعناية لتليق بجلال رحيلكم. احتموا بجدران بيوتكم، فساحات العدل منشغلة بهمومها، منشغلة بهمّ مَنْ الأقوى ليفرض هيمنته وسطوته، لأن القانون «الفاصل» بين الناس ولّى هارباً حين وجد لغة غير «مواده» وصورة غير «ميزانه وامرأته معصوبة العينين» وصراعا يخسر فيه وطن بكامله، وحجة تجرى على الألسنة «المتعاركة» كأن كل طرف يملك وحده الحقيقة. المحامون قالوا إنهم على حق، والقضاة قالوا إنهم على حق، إذن فالشعب هو مَنْ على الباطل. هل فكر أحد «المتشاجرين» أنه لا يضرب ب«كفه» ظهر الآخر، وأنه لا يهين الآخر، ولا يكسر أنفه، إنما يطعن الوطن كله، ويرسم صورة مثالية لعشاق تشويه صورة مصر، ويهين المجتمع والدولة حين يكشف «بشجاره» عن أننا فى بلد محكوم بالعصبية «تعصب للدين، تعصب للقبيلة، تعصب للمهنة، تعصب للقرية أو المحافظة»، مجتمع لا يعترف كباره بالقانون ك«قول فصل»، مجتمع فيه أصحاب وظائف مهمة يعتقدون أنهم آلهة صغيرة، وأننا نشهد عصر موت دولة المؤسسات. أخطر ما فى هذه الفتنة أن الذين صبوا النار على الزيت هم مَنْ يجلسون فى الواجهة، ويعبرون عن مصالح الطرفين، هؤلاء ذهب كل منهم فى طريقه الزائف، متقمصا صورة «زعيم» أو مدافعاً عن كرامة وشرف «مهنته» وأنه يقف مع رجاله وقفة واحدة فى وجه الحملة الشرسة التى تهدف للنيل من «مهنتهم العظيمة»، كل طرف ظن أن الفرصة جاءته على طبق من ذهب كى يثبت وجوده، بعدما فشل فى رعاية مصالح مَنْ أوصلوه لمقعده، وانكشف ضعفه وضاعت وعوده الكثيرة. رجال كبار فى القضاء طالبوا، على إثر هذه الأزمة، بشرطة لحماية القضاة مع أن حب وإجلال المصريين للقضاة كفيل بأن يصنع لهم سوراً من التقدير يحميهم ويذود عنهم. القضاة ليسوا فى حاجة لحماية أو «انعزال» عن الناس، إنما هم فى حاجة للاندماج أكثر، وليس معنى وقوع أحداث لا تتجاوز أصابع يد واحدة أن نحول ساحات المحاكم إلى ثكنات عسكرية.. وضع شرطة خاصة لرجال القضاء والنيابة يصنع سوراً شائكاً بين مريدى العدالة وبين مَنْ يحققها، ويظهر المجتمع كأنه فى عداء مع قضاته، أو كأن الحكم بالقانون مخيف ويحتاج لحماية. المحامون أيضا رفعوا رايتهم، مطالبين بحصانة تعصمهم يوم لا يعصم فيه قانون، ولا تنفع فيه مرافعة، ولا يُنصف فيه مظلوم أو حامل لواء القانون، ليتساووا مع القضاة المحصنين، فى ساحات المحاكم، وإذا كان المحامون يريدون الحصانة فمن حق المهندسين والأطباء ومن قبلهم موظفو الشهر العقارى، وخبراء وزارة العدل، وموظفو الضرائب والتموين والصحة والسكة الحديد، أن يحصلوا على الحصانة، وبما أن الكل يريد حصانة فى بلد لا قانون فيه، فأنا أطالب بحصانة لكل مواطن، ربما تنفعه عند مقام «أمين، أو وكيل، أو غفير».