خطاب أوباما الذى وجّهه للعالم الإسلامى من تحت قبة جامعة القاهرة عند بداية ولايته الأولى لرئاسة أمريكا، يشبه الكلام المعسول.. والآمال الرومانسية التى يخطب بها العريس ود عروسه عند بدايات شهر العسل. وعود بالسلام الشامل العادل فى الشرق الأوسط.. حق فلسطين فى دولة مستقلة ذات سيادة.. احترام أمريكا لإرادة الشعوب العربية - الإسلامية، وحقها فى اختيار شكل ونوع الديمقراطية التى تتناسب مع ثقافتها المحلية.. الوقف الفورى للمد الاستيطانى الإسرائيلى داخل الأراضى المحتلة، كل هذا الكلام المثالى كان - فى اعتقادى - يقصده ويعنيه باراك أوباما عندما أعلنه على الأمة الإسلامية من تحت قبة جامعة القاهرة منذ عام واحد مضى. مازلت أعتقد فى «صدق» نوايا الرجل بتصريحاته تلك التى جاءت تعبيراً عن فكره الخاص كمثقف أمريكى يملك رؤية مثالية لبلاده وللعالم. كانت أولى سقطات أوباما أنه تصور، مخطئاً، أنه «يستطيع»، كرئيس لأقوى دولة فى العالم، تصحيح تلك الأخطاء الفادحة الدرامية التى تسببت فيها إدارة بوش خلال ثمانى سنوات كاملة، نجحت خلالها فى تحويل جميع المناطق الإسلامية فى العالم - تقريباً - إلى مستودع لتصريف أسلحتها وتجريبها على الشعوب فى العراق ولبنان وغزة والسودان، هذا غير مناطق أخرى فى آسيا وأفريقيا السوداء. فى تصورى أن أوباما عندما جاء للقاهرة معلناً عن فتح صفحة جديدة فى تاريخ العلاقات الإسلامية - العربية، قوامها الاحترام المتبادل والتعاون المشترك، لم يكن يقصد «خداعنا»، إذ كان هو نفسه «مخدوعاً» فى تصوره لمدى السلطة المخولة له من قبل إدارة هندسة الاستراتيجية الأمريكية التى تضع مصلحة أمريكا العليا فوق كل الاعتبارات المثالية المتعلقة بحقوق الشعوب الأخرى فى العيش فى رفاه وسلام. أتصور أن صدمة أوباما فى نفسه بعد أول شهر من ممارسته مهامه، كرئيس، تعادل صدمتنا كشعوب عربية - إسلامية فيه كشخص، وفى وعوده كرئيس لدولة تملك من القوة ما يعطيها الحق فى المنح والمنع، السلام والحرب، لباقى دول العالم، خاصة الفقير والنامى منها. اكتشف «أوباما»، بعد شهر واحد فقط من ممارسة مهامه الرئاسية، أنه «لا» يستطيع غرس أفكاره وأمانيه، كإنسان، على أرض الواقع، وأنه بلا حول ولا قوة أمام الخطط الاستراتيجية للمصالح الأمريكية العليا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية.. اكتشف أوباما أنه «لا» يستطيع.. وقد كان ينادى أثناء حملته الانتخابية: «نعم» نستطيع! ■ لا أتفق مع الأصوات التى تحتشد فى انفعال عاطفى داعية مصر للدخول فى صدام مسلح مع الجيش الإسرائيلى، المسألة أكبر وأضخم بكثير من ردود الأفعال المبنية على الغضب والرفض الشعبى المشروع. نعم لابد أن يكون هناك موقف رائد ورادع وسريع من ناحية رئيس دولة مصر تجاه الممارسات الوحشية الإسرائيلية فى قطاع غزة الأعزل من كل مقومات الدفاع عن النفس، والعاجز والمحروم من أبسط مقومات الحياة الأساسية. تستطيع مصر أن تقود حملة دولية لمقاضاة دولة إسرائيل أمام القضاء الدولى لخرقها الصريح للقوانين والمواثيق الصادرة عن الأممالمتحدة، بارتكابها جريمة «الإبادة الجماعية» تجاه شعب بأكمله فى غزة. تستطيع مصر أن تحرك شعوب العالم من أصحاب الضمائر الحية، لمحاكمة إسرائيل وإصدار العقوبات الاقتصادية والسياسية ضدها، من خلال المحاكم الشعبية الموجودة فى فرنسا وغيرها من مناطق العالم المتحضر. تستطيع مصر أن تبقى على معبر رفح مفتوحاً لمد شعب غزة بالمساعدات الإنسانية، خاصة المساعدات الطبية. مصر أمامها كل الخيارات لردع إسرائيل عن استمرارها وتماديها فى ممارسة جرائمها الشنعاء، بما فيها حشد طاقاتنا العسكرية تحسباً لما قد تبادر به إسرائيل من عدوان على الأراضى المصرية. الحرب المقبلة - كما يعرف الجميع - لن تكون نزهة قصيرة مثلما كان الحال فى الحروب الثلاث السابقة بين مصر وإسرائيل.. لكنها سوف تكون - والعياذ بالله - دماراً شاملاً لسبل معيشة الجماعة البشرية. [email protected]