سألنى أكثر من واحد، عما كنت أقصده، حين كتبت فى هذا المكان، قبل عدة أيام، عن أن الرئيس السابق كان مثقلاً ب«حمولة زائدة» فوق كتفيه، وأن هذه الحمولة هى التى أدت فى النهاية إلى سقوط نظام حكم بكامله! وقد كان رأيى، ولايزال، أن الرئيس السابق كان فى الأصل طياراً، وكان من المتوقع، لهذا السبب، أن يكون أكثر الناس إدراكاً لخطورة أن تقلع الطائرة فى السماء وعلى ظهرها «حمولة زائدة» فوق قدرتها على الإقلاع، ثم الطيران، بما يهددها فى أى لحظة بالسقوط! ولا أحد، إلى الآن، يعرف كيف فات على رجل هو أصلاً طيار، أن وجود ابنه جمال مبارك، فى الحياة العامة، بالشكل الذى كان موجوداً عليه، إنما كان فى الأصل حمولة زائدة، وكان لابد من التخفف منها بسرعة، منذ وقت مبكر، وهو ما لم يحدث طبعاً، بما أدى إلى أن يتضاعف حجم الحمولة الزائدة، ووزنها، وثقلها، ثم وطأتها بالتالى على حاملها! ولا أحد أيضاً يعرف كيف فات على طيار سابق أن وجود فتحى سرور رئيساً للبرلمان، لعشرين سنة متواصلة، كان نوعاً من الحمولة الزائدة، التى هى فوق طاقة أى نظام حكم، وأى رئيس، وأى حكومة.. لقد كان من المفهوم أن يأتى رئيس مجلس الشعب السابق رئيساً للمجلس لدورة واحدة من خمس سنوات، بعد اغتيال رفعت المحجوب، ثم ينصرف، ليأتى غيره، ولو حدث هذا لكانت الحمولة طبيعية، وما كانت قد أرهقت دولة بكاملها، وما كانت انتخابات مجلس الشعب، فى نوفمبر الماضى، قد جاءت على ما جاءت عليه، ولكن حدث ما حدث، وبقى سرور فى مكانه عشرين عاماً، وكان فى سبيله لاستكمال خمس سنوات أخرى، وهى سابقة لم يكن لها مثيل مع أى رئيس برلمان من قبل! ولا أحد يعرف، للمرة الثالثة، كيف فات على طيار سابق أن يدرك، مبكراً، أن صفوت الشريف كان من الجائز أن يبقى إلى جوار رئيس الدولة عامين، أو ثلاثة، أو خمسة، وزيراً للإعلام، ثم يأتى بديل آخر عنه، لا أن يبقى ربع قرن بكامله، ثم حين يخرج، لا يذهب إلى بيته، وإنما يكمل المشوار فى مجلس الشورى، وهو الأمر الذى جعل منه فى النهاية حمولة زائدة فوق قدرة أى نظام حكم على أن يحمله أو يحتمله. ولم تكن هذه النماذج الثلاثة على سبيل الحصر ولكنها فقط على سبيل المثال، فهناك غيرها العشرات، ليس أولها نسبة العمال والفلاحين فى مجلس الشعب، التى تحولت مع الإصرار على الإبقاء عليها، دون منطق، ودون عقل، ودون سبب مفهوم، إلى حمولة زائدة فعلاً، ولا كان آخر النماذج هو التصميم من جانب «طيار سابق» على أن يظل الدستور كما هو، ونظام الدعم، كما هو، ومجانية التعليم - غير الموجودة أصلاً - كما هى.. إلى آخره! أقلع الرئيس السابق، بالبلد، عام 1981، وكان فى كل عام يضيف على حمولته ما لا يطيقه، ولا يقدر عليه، وكانت كل الإشارات الحمراء تضىء أمامه، لكنه كان يتجاهلها، وأحياناً كان يسخر منها، وعندما جرت انتخابات برلمان 2010، على ما جرت عليه، أضاءت أكبر لمبة حمراء أمام الرئيس السابق، فكان رده على الذين لفتوا نظره إليها أنه قال عبارته الشهيرة: «خليهم يتسلوا»! عندها.. كانت الطائرة قد ناءت بحمولتها، وكان هبوطها، بل سقوطها، مسألة حتمية!