ندرك جميعاً أن قيمة الأسهم فى بورصة مصر قد تضررت ضرراً كبيراً، وأن إيرادات السياحة قد تراجعت تراجعاً عظيماً، وأن تحويلات العاملين المصريين بالخارج قد تناقصت تناقصاً غير قليل، وأن قيمة الجنيه المصرى قد انخفضت انخفاضاً ملحوظاً، لكننا ندرك أن مصر سبق أن مرت بكل هذه الظروف من قبل، فقد سبق أن تراجعت السياحة بفعل الإرهاب، وسبق أن انهارت البورصة بفعل عوامل اقتصادية وتلاعبات، وسبق أن انخفض الجنيه المصرى بشكل أكبر مما حدث الآن، ودفعت مصر فواتير عديدة فى السابق دون مقابل، فما الضرر فى دفعها الآن لكن بمقابل.. إنه ثمن الحرية، ندفعه ونحن سعداء ومسرورون، وعندما ترحل حكومة التسيير ويأتى رئيس للبلاد، وبرلمان، وحكومة تغيير وإصلاح، سوف يختلف الأمر اختلافاً كبيراً، فنحن نحلم بأن نكون قوة اقتصادية كبيرة، وأنا أعتقد أن الأساس سوف يكون فى وضع «سياسة اجتماعية» رشيدة.. وقد يندهش البعض عندما يعلم أن اليابان، وهى قوة اقتصادية عظيمة، لم تكن لديها خلال الخمسين سنة الماضية سياسة اقتصادية بمعنى الكلمة، فاليابان وعلى امتداد الفترة منذ الحرب العالمية الثانية اتبعت «سياسة اجتماعية» كانت أساساً للتوجهات الاقتصادية، فالفرد والمجتمع كانا هما الهدف الرئيسى، وأنا أعتقد أننا فى مصر، ومع بداية عهد التغيير والإصلاح، علينا أن نسلك نفس الطريق، وأن نبنى السياسة الاقتصادية وفقاً للقضايا الاجتماعية، فنحن مثلاً لا يمكن أن نضع مشكلة الملايين من العاطلين والمتخرجين الجدد فى مرتبة ثانوية، ومن ثم فإن «التوجهات الاقتصادية» للدولة يجب أن تصب فى مصب حل هذه الأزمة الاجتماعية الكبرى، بحيث تتم محاصرة البطالة والقضاء عليها، وما يتطلبه ذلك من تشجيع الصناعة كثيفة العمالة، ومساندة مشروعات الخدمات التى تستوعب أعداد كبيرة من العمال، والاستعداد عن طريق التعليم والتدريب وإعادة التأهيل لمواكبة التحول التكنولوجى وثورة المعلومات والاتصالات، التى سوف تتطلب مجموعة كبيرة من المهن الجديدة، وبعيداً عما يروجه البعض سواء بحسن أو سوء نية عن التكاليف الباهظة والآثار الاقتصادية السلبية التى ترتبت على الثورة.. فالاقتصاد المصرى كان ولايزال يصنف ضمن الاقتصاديات منخفضة التنافسية فى العالم، وكانت معوقات نهضته تتمثل فى ضعف كفاءة الحكومة، وعدم مناسبة النظم الضرائبية، وعدم تأهيل قوة العمل المحلية، وتدريب الموارد البشرية، وضعف الإنتاجية، وانتشار الفساد وغياب الشفافية، لذلك فإن الأمل سوف يكون معقوداً على انتخاب الرئيس الجديد للبلاد، وعلى البرلمان، وعلى حكومة التغيير والإصلاح فى وضع سياسة «اجتماعية» رشيدة تكون هى أساس التوجهات الاقتصادية التى ستصدر بها التشريعات من البرلمان، التى - فى اعتقادى – يتعين أن يكون همها الأول تنمية الموارد البشرية فى البلاد، وإعادة تأهيلها لتكون قادرة على مواكبة متطلبات الصناعة الحديثة والزراعة والخدمات والاتصالات والمعلومات، بحيث يتم نقلها لتحتل المركز الأول بين مصادر النقد الأجنبى فى البلاد، ولا يخفى علينا أن المصادر الرئيسية للنقد الأجنبى فى مصر محدودة فى الصادرات الهيدروكربونية، وإيرادات السياحة، وتحويلات المصريين بالخارج، ورسوم المرور فى قناة السويس، وجميعها تبلغ بالكاد 40 مليار دولار، مما يؤكد هشاشة الاقتصاد. المهم أن ثمن الحرية وإن كانت تكلفته باهظة عند بعض الناس فأنا أرى أن مردوده سوف يكون - بميزان الربح والخسارة – عظيماً، مادام البرلمان القادم إن شاء الله سوف يكون قادراً على سن التشريعات المناسبة سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية دون الانحراف بها لصالح طبقات بعينها.. ومادام أنه لن يكون خاضعاً للحكومة بل رقيباً عليها.