بكاء بحرقة ودموع تنهمر دون توقف، لتختلط بأتربة تجمعت على قسمات وجهها الحزينة، بينما تروى «نعمة محمد مسعود»، ذات الخمسين ربيعاً المعروفة ب«أم السيد» وهى جالسة على بقايا كرسى بجوار «فرش» الشاى فى مدخل أحد العقارات مأساتها: «جيت من خورشيد مع جوزى من حوالى 40 سنة واستقريت وخلفت بنتين، لكن موت جوزى سنة 95 خلانى أتشحطط وأتبهدل علشان أقدر أصرف على البنات وأسترهم قبل ما أموت». توقفت لحظات لتمسح دموعها بطرف عباءة سوداء كانت ترتديها ثم أضافت: «من يوم ما حصل الموضوع ده وزى ما أنت شايف بنام عند الجيران وبناتى وديتهم عند خالهم فى خورشيد لغاية ما ربنا يفرجها علشان مش قادرة أخليهم هنا وسط البهدلة وبتوع المخدرات، خصوصاً أن المنطقة بقت وحشة ومحدش بيتحمل حد على طول». تنهيدة قصيرة استغرقت بعدها «أم السيد» فى تفكير عميق لثوان قليلة، فى محاولة منها للسيطرة على دموعها التى تنساب برقة على وجنتيها لتتابع: «كنت عايشة فى البيت رقم 89 وكان ليا دكان صغير باسترزق منه ببيع شوية فجل وجرجير وبصل على شوية شاى كنت بأعملهم للناس كل يوم وكمان كان ليا مطرح بنام فيه أنا وبناتى لكنى هاعمل إيه الحمد لله على كل حاجة». وتابعت بعفوية: «بأصحى كل يوم بدرى الساعة 6 وبروح سوق عمر باشا، علشان أجيب شوية جرجير أو فجل أو بقدونس من عند (عم أحمد) أبيعهم فى المنطقة بجوار شوية الشاى، لغاية ما تيجى الساعة 9 بالليل بعدها على طول بصلى العشاء وأشوف هنام فين». والأمنية الوحيدة التى تتمنى أم السيد تحققها صباح كل يوم تستيقظ فيه خلال وجودها فى المنطقة هى الحصول على شقة أو حجرة بمنافعها «علشان تحمينى وبناتى من البهدلة».