بقلم د. ياسر الدرشابي الثورة المضادة موجودة في كتب التاريخ حيث دونها الكثير من المؤرخين علي مر العصور، فلم تقوم ثورة علي وجه هذه الأرض إلا و تبعتها ثورة مضادة تعمل علي إفشال الثورة الأصلية و منع تحقيق أهدافها. و قد تكون الثورة المضادة من القوة بحيث تتغلب علي الثورة الأصلية و تعود الأمور لأسوء مما كانت عليه من قبل قيام الثورة و هو ماحدث في بعض الثورات علي مر التاريخ و هو الشيء الذي لا نتمني حدوثه لثورة 25 يناير العظيمة. و ما نعرفه عن الثورات المضادة هو أن عناصرها الأساسية هي أصحاب النفوذ و السلطة المنتفعين من النظم الحاكمة التي اسقطتها هذه الثورات. و هو الحال الذي نلمسه في الثورة المصرية حيث تتكون ثورتها المضادة من رجال و زبانية المخلوع سواءاً كانوا من الحزب الوطني أو أمن الدولة أو حتي البلطجية الذين إعتادوا العيش علي ما تجود به أيدي الفاسدين علي مدار ثلاثة عقود كاملة. و لكن عناصر الثورات المضادة لا تقتصر فقط علي مؤيدي النظم التي أسقطتها الثورات بل إنها قد تنبع من الثورة الأصلية و من الثوار أنفسهم الذين قاموا و خرجوا و تعرضوا لكل الأهوال من أجل تحقيق هدف واحد. و معني ذلك هو إنه إذا كنت أنت واحداً من ثوار 25 يناير فمن الممكن أن تكون الأن أنت نفسك أحد عناصر الثورة المضادة و لكنك لا تشعر بذلك بل علي العكس تماماً تعتقد أنك مازلت تعمل بكل جهد من أجل الثورة و تحقيق أهدافها. و قد سجلت صفحات التاريخ ثورات مضادة خرجت من الثوار أنفسهم ثم إنضم إليهم فلول الحكم الساقط فيشعلون الفتن و يضرمون النيران فتزيد الثورة المضادة و تأكل أهداف الثورة الأصلية و تترك البلاد خراباُ و دماراُ بعد أن كاد الحلم أن يتحقق. فكيف إذا يمكن أن يتحول الثوار إلي عناصر للثورة المضادة؟ الثورة الأصلية تقوم علي وحدة الصفوف و الهدف بين الثوار و حقيقة أنهم يتجمعون علي قلب رجل واحد و يسعون بكل قوة و جهد لتحقيق الهدف الواحد الذي يتفق عليه الجميع. أما و قد تتحقق بعض الأهداف الأولية للثورة فقد يتفرق الثوار و تتعدد أهدافهم فيسعي كل فريق لتحقيق هدفه بعد أن كانوا يعملون لتحقيق هدف واحد. و هذا التعدد في الأهداف هو عنصر أساسي من عناصر الثورة المضادة و هو أول الخيط الذي يؤدي في النهاية لعدم تحقيق هدف الثورة الأساسي سواء كان هذا الهدف هو اليمقراطية أو الحرية أو العدالة الإجتماعية. و قد يستمر الثوار في ثورتهم مع إضافة مطالب جديدة و عديدة لم تكن علي قائمة الأهداف الأساسية للثورة فتنقسم الثورة الكبيرة إلي ثورات صغيرة متعددة لا تحقق إلا حالة من الفوضي و التمرد علي كل شيء حتي يكره الشعب ثورته و هو يبحث عن الهدوء و الإستقرار فيترحمون علي النظام الذي ثاروا ليسقطوه. و اضف إلي ذلك أن معظم الثورات تقوم في شعوب لم تعتاد الحرية و لم تعرف من قبل الطرق الصحيحة لممارسة الديمقراطية. قال أحدهم في تعليق علي صفحات الفيس بوك: "و كأن مصر إشترت جهاز الحرية و لم تجد معه كتاب تعليمات التشغيل فأخذت تضغط علي كل الأزرار في وقت واحد فإختلط الحابل بالنابل و تعطل الجهاز" و المقصود هو أن الثوار يجب عليهم أن يهدأوا و يتأنوا مجتمعين علي تحقيق الأهداف الأساسية فتتحقق المكاسب الواحد تلو الآخر. اما حالة الغليان المستمرة فتصب فقط في صالح الثورة المضادة و عدم تكوين أرض صلبة تنطلق منها حركات البناء و الإقتصاد و تحقيق الإستقرار. و علي ذلك فيمكن إعتبار إضراب الأطباء و المظاهرات الفئوية و إعتصامات قنا و ماسبيرو و كذلك الزحف علي فلسطين و المطلبة بطرد السفير و محاولة إقتحام السفارة، يمكن إعتبار كل هذه حركات لها أهداف مشروعة لم تكن علي قائمة الأهداف الرئيسية لثورة 25 يناير و لذلك فهي تشتت إنتباه الثوار عن ثورتهم و تفرق صفوفهم و بالتالي فهي تخدم فقط الثورة المضادة التي بدأت منذ اليوم الأول لتنحي المخلوع. فإحترسوا يا ثوار مصر و لا تقدموا أي شيء عليمصلحة الوطن، فلقد قمتم بما لم تستطيع شعوب كثيرة القيام به و الله يحب أن تتموا ما قمتم به، عسي الله أن يوحد صفوفكم و يسدد خطاكم لنصرة مصر و تحريرها. عظيمة يا مصر.