قبل شهرين تقريبا قال المهندس حسب الله الكفراوى، وزير الإسكان والتعمير الأسبق، إن قضية التغيرات المناخية وتأثيراتها المحتملة على مصر، لا تحظى بأى اهتمام من الحكومة. ورغم عشرات المؤتمرات العلمية التى شهدتها مصر والمنطقة العربية لمناقشة هذه القضية الخطيرة خلال العامين الأخيرين، فإن كل الشواهد تشير إلى أن تصريح الكفراوى هو الأقرب إلى الواقع، وأن النظام السياسى المصرى لم يتخذ حتى الآن أى إجراءات وقائية لتخفيف التداعيات الكارثية لتغير المناخ ، مثل انهيار خصوبة الأراضى وتراجع إنتاج المحاصيل الزراعية إلى حوالى 30% من الإنتاج الحالى، وارتفاع الاحتياجات المائية لمختلف المحاصيل، خاصة المحاصيل الصيفية. قد يعود هذا الإهمال الرهيب لقضية على هذا القدر من الخطورة إلى شيوع نوع من الدراسات المكتبية التى تتحدث عن تداعيات التغيرات المناخية بعد 50 عاما أو بعد مائة عام من الآن، وهذا المدى الزمنى البعيد نسبيا لا يمكنه أن يحرك ساكنا فى نظام سياسى اعتاد التعامل مع الكوارث بعد وقوعها، ولم يحدث خلال الثلاثين عاما الماضية أى تحرك سياسى أو اقتصادى يشير إلى مواجهة خطر محتمل أو وضع سيناريو مستقبلى لحل مشكلة تافهة مثل انفجار مواسير الصرف الصحى وتآكل شبكة مياه الشرب.. أو حتى تخليصنا من جبال الزبالة التى تآلفنا معها بعد عقود من تراكمها فى الشوارع ومداخل البيوت. ولكن مشكلة التغيرات المناخية أكثر خطورة من كل ما جربناه من إهمال وتسيب وفساد، وخطورتها تكمن فى أنها حدثت بالفعل، وأن تداعياتها أصبحت واقعا يعانى منه الفلاحون منذ خمس سنوات على الأقل، ولكن عدم فهم الفلاحين لما يحدث أمام عيونهم، وعدم وجود أى دور إرشادى لوزارة الزراعة دفعهم إلى التفكير فى أسباب عديدة لانخفاض إنتاجية المحاصيل عاما بعد آخر، من بينها التقاوى المغشوشة أو المبيدات المضروبة فى مصانع بئر السلم، أو ارتفاع منسوب المياه الجوفية فى التربة، أو استخدام مياه الصرف الصحى غير المعالجة فى الرى.. وكل هذه أسباب تصلح فعلا لتفسير انخفاض الإنتاجية وتدهور خواص التربة، ولكن التراجع المخيف لإنتاجية الأراضى الجديدة فى صحارى مصر، دفع مزارعيها الواعين إلى التساؤل لأول مرة عما إذا كانت الآثار السلبية المتوقعة لتغير المناخ قد حدثت بالفعل. وكان أهم أسباب التفكير فى التغيرات المناخية هو أن الأراضى الجديدة يتم ريها بمياه جوفية نظيفة وتخضع لنظم زراعية جيدة فى انتقاء الشتلات والتقاوى والمبيدات.. ورغم ذلك تنخفض إنتاجيتها عاما بعد عام، وترتفع ملوحة التربة والمياه الجوفية وتتعرض الصحارى حاليا لتقلبات جوية خطيرة، فتسقط الأمطار سيولا جارفة فى غير موعدها وتنقطع طيلة فصل الشتاء، ويتبدل الطقس خلال اليوم الواحد من الحر الشديد إلى البرودة القارسة كل ساعة تقريبا، ويقف المزارعون فى الأراضى الجديدة عاجزين تماما أمام هبوب الرياح المحملة بالرمال فى كل أطوار النمو، خصوصا فى طور التزهير، وهو ما يؤدى إلى تراجع إنتاجية معظم المحاصيل، مع زيادة احتياجها إلى مياه الرى الشحيحة من الأساس! والحقيقة أن مركز البحوث الزراعية كان ومازال على وعى تام بهذه الحقائق.. ولكنه لا يملك فعل أى شىء بعد تجريده من ميزانية البحوث الخاصة به ووقف تعيينات الباحثين الشبان.. والمؤكد أن النظام السياسى لن يتحرك إلا إذا غرقت الدلتا بعد مائة عام.. لأنه مشغول جدا الآن بالإعداد لتزوير انتخابات مجلس الشعب عام 2010، وتلفيق انتخابات الرئاسة عام 2011. [email protected]