كنت قد ظننت أن الأطفال من ضحايا شرب البوتاس قد انقرضوا بعد الاستغناء عن هذه المادة الكاوية فى غسيل الملابس، ولكنى كنت واهماً، فمازال صرعى هذه الكارثة الحارقة من أطفالنا الغلابة يتوافدون إلى المستشفيات الحكومية فى أفواج لا تتوافر فى أى مكان فى العالم إلا فى بلدنا المحروسة، وقد نبهنى إلى ذلك خطاب من د. باسل عبدالمنعم عبيد، استشارى مناظير الأطفال ألقى الضوء على هذه المأساة. يقول د. باسل: «لاحظت استمرار تدفق الحالات المصابة بحروق شديدة بالمرىء والمعدة، وأحياناً بالوجه نتيجة ابتلاع المواد الكيماوية المستخدمة كمنظفات أو كمبيضات للملابس أو الأرضيات وذلك بمعدل ثابت، خلال العشرة أعوام السابقة، يتراوح بين 20 و30 حالة جديدة سنوياً، معظم الحالات لأطفال فى سن 3 شهور - 3 سنوات، وعندما يتم مزج بودرة البوتاس (المادة الخام) بالماء يتحول إلى سائل أبيض شبيه باللبن وإذا ترك هذا السائل فى زجاجة أو حاوية قريبة من متناول الأطفال وبالذات فى سن الحبو فتكون ملفتة لنظر الطفل ويسهل عليه الخطأ فى ابتلاعها على أنها لبن». يؤدى شرب البوتاس إلى حروق شديدة بالغشاء المخاطى المبطن لجدار المرىء (الأنبوب الذى يوصل الغذاء والماء من الفم إلى المعدة)، وهذا الحرق يؤدى إلى ضيق شديد فيتحول مجرى الأكل الواسع إلى أنبوب ضيق متعرج بقطر رأس الدبوس مما لا يمكن الطفل من ابتلاع غير بعض السوائل الخفيفة كالماء ويصبح غير ممكن تغذية هذا الطفل تغذية سليمة عن طريق الفم، ويضيف د. باسل عبيد: «نظراً لارتفاع أسعار الخدمات الطبية وأسعار المناظير والمستلزمات المستخدمة فى تشخيص وعلاج هذه الحالات فإن تكلفة علاج هذه الحالات باهظة جداً على الأهل والدولة والمجتمع، مقارنة بسعر بيع المواد الكاوية، حيث يتكلف كيس البوتاس أو زجاجة ماء النار قروشاً معدودة ويتكلف علاج الحالة من 50.000 – 100.000 جنيه للطفل الواحد وذلك بالإضافة إلى ما لا يمكن حسابه من تكاليف نفسية، ومن الواضح انتشار هذه المشكلة ضمن الطبقات الفقيرة غير القادرة على شراء الأنواع الأخرى رغم انتشارها ورخص ثمنها أو لاعتقاد خطأ بأن هذه المواد أكثر فاعلية فى التبييض من المساحيق المتوفرة بالأسواق أو للجهل بخطورتها، وهذه المشكلة تنتشر أكثر فى المجتمعات الريفية». يقدم د. باسل عدة اقتراحات، منها التوعية المستمرة والموجهة لمجتمعات بعينها (مثل المجتمعات فى الريف وعن طريق الوحدات الصحية، وإحكام الرقابة والسيطرة على المتاجرين والمتعاملين بهذه المواد ووضع ضوابط لبيعها للجمهور فى عبوات مخصصة وآمنة، والنظر فى اقتصاديات النظافة لمعرفة تكلفة التنظيف على غير القادرين، مما يدفعهم إلى شراء هذه المواد الرخيصة وهنا يجب إشراك جميع الشركات التى تبيع المواد المنظفة والمساحيق، التى تملأ الدنيا ضجيجاً بإعلاناتها، مع المجتمع والدولة فى مواجهة هذه المشكلة. [email protected]