قد يبدو الأمر غريبًا ومعقدًا وخارج إطار المنطق الكروي، لكن فريق هوفنهايم تحت قيادة مدربهم الشاب جوليان ناجلسمان قرر أن يطبق جنون الكرة بشكل عملي، ويثبت أن الساحرة المستديرة هي لعبة لا تصلح معها التوقعات والتنبؤات، ونجح الألماني الشاب صاحب ال29 عامًا في قيادة هوفنهايم في أقل من عامين من العمل مع الفريق للهروب من منطقة الهبوط إلى التأهل إلى دوري أبطال أوروبا لأول مرة في تاريخ النادي الألماني. القصة لا تبدأ من هنا، ولا حتى من بداية الموسم، القصة تعود إلى نهاية أكتوبر من عام 2015، عندما أعلن نادي هوفنهايم المتواجد بمواقع الهبوط بجدول ترتيب البوندزليجا أن المدرب الشاب والمدافع السابق جوليان ناجلسمان، سيتولى قيادة الفريق مطلع موسم 2016/2017. قرار هوفنهايم تزامن مع تذبذب كبير في مستوى النادي الذي كان يخوض موسمه التاسع فقط في المسابقة المحلية الأكبر في ألمانيا، والتي كان بدأها بشكل مميز عندما كان بطل الشتاء في أول موسم للفريق على الإطلاق في البطولة (2008/2009)، بعدها تراجع أداء النادي وتغيرت الإدارات الفنية وأصبح الفريق سوق لبيع المواهب مع فشله في الإبقاء على كبار نجوم الفريق، لينهار مستواه موسم بعد الآخر ليصل إلى اسوأ مستوياته في البوندزليجا مع نهاية مرحلة الشتاء في موسم 2015/2016. اختيار ناجلسمان جاء بناءً على أدائه كمدرب مع قطاع الشباب، فلاعب أوجسبورج وميونخ 1860 السابق، كان قد اُجبر على اعتزال اللعب بسبب الإصابات اللعينة التي طالته طوال مشواره الشاب، وقرر المدرب استكمال عمله في المجال الذي يعشقه لكن بدور المدرب، وتم تعيينه كمساعد مدرب لفريق الشباب بهوفنهايم في عام 2010، وقدم المدرب مستويات مميزة مع فئات الشباب الأمر الذي أدى إلى تعيينه كمدرب لشباب هوفنهايم «تحت 19 سنة» في عام 2013، وهو المنصب الذي أثبت من خلاله كفاءته لتختاره إدارة النادي مدربًا للفريق بداية من موسم 2016/2017 مع توقع هبوط الفريق للدرجة الثانية، في ظل أداء سيئ تمامًا في موسم 15/16. السيناريو غير المتوقع، والذي عجّل بظهور ناجلسمان كمدرب للفريق، هو مرض مدرب هوفنهايم وقتها، هوب ستيفنز، والذي اُجبر على الاستقالة من تدريب الفريق بسبب حاجته للخضوع إلى عملية جراحية في القلب، ليعلن نادي هوفنهايم في فبراير 2016 قرار تولي المدرب الشاب جوليان ناجلسمان، صاحب ال28 عامًا آنذاك، قيادة الفريق مع التأكيد على استمرارية عقد تدريب لمدة 3 سنوات، والذي مُنح له في نهاية أكتوبر 2015 لكن بداية من موسم 16/17«، للتأكيد على منحه الضمانات الكافية للعمل بحرية مع استلامه الفريق في المركز قبل الأخير بالدوري متأخراً بفارق 5 نقاط عن بريمن السادس عشر ومتفوقاً بفارق الأهداف فقط عن هانوفر الأخير بعد مرور 20 جولة من المسابقة. ناجلسمان قدم مستويات مميزة مع هوفنهايم بالاعتماد على العناصر الشابة وتصعيد أكثر من لاعب من فريق الشباب، والذين لعبوا تحت قيادته سابقًا، وتمكن الألماني الشاب من تقديم بداية رائعة حقق فيها الفريق 20 نقطة في 14 مباراة، لينجح ناجلسمان في إنقاذ هوفنهايم بعد احتلال الفريق المركز ال15 في جدول الترتيب بنهاية الموسم. هوفنهايم في هذا الموسم توهج بشكل أكبر مع المدرب الشاب، فالفريق الألماني ومنذ بداية الموسم يقدم مستوى صلب، ظل دون هزيمة طوال الموسم حتى الجولة 18 من المسابقة، ليكون آخر الفرق ليس فقط في البوندزليجا بل على مستوى أندية الدوريات الأوروبية الخمس الكبرى التي تتعرض للهزيمة لأول مرة خلال موسم 2016/2017. هوفنهايم مع ناجلسمان في هذا الموسم، وبعد مرور 31 جولة في الدوري الألماني، نجح في تحقيق الفوز في 14 مباراة وتعادل في 13 مباراة وخسر 3 مباريات (ثاني أقل الفرق تعرضًا للخسارة هذا الموسم بعد البطل، بايرن ميونخ «2»)، والفريق لديه سجل نظيف بدون أي خسارة على ملعبه (15 مباراة، 10 انتصارات و5 تعادلات)، سجل لا يتفوق عليه سوى البطل بايرن ميونخ وبوروسيا دورتموند (15 مباراة، 11 انتصارا و4 تعادلات.. لكلا الفريقين). ونجح الفريق في تحقيق نتائج مميزة هذا الموسم مثل الفوز على باير ليفركوزن ذهابًا وايابًا، تحقيق 4 نقاط ضد البطل، بايرن ميونخ (تعادل في ميونخ وفاز في ملعبه على العملاق البافاري)، ويتميز الفريق بالأداء القتالي والبطولي طوال المباراة، ونجح الفريق في تسجيل 14 هدف في الدقائق ال10 الأخيرة من مباريات الدوري هذا الموسم، ومن اجمالي 57 هدف سجلهم الفريق في البوندزليجا هذا الموسم، أي ما يعادل 25 % من اهداف الفريق سجلت في الوقت القاتل من المباراة. الكرة الألمانية أقرت بدور المدرب الصاعد الشاب، فتم اختياره في مارس الماضي للحصول على جائزة أفضل مدرب في عام 2016 من اتحاد كرة القدم الألماني، ليكون أصغر مدرب في التاريخ الذي يتمكن من تحقيق هذه الجائزة. هوفنهايم يوم أمس ضمن رسميًا التأهل لدوري أبطال أوروبا الموسم المقبل، بعد أن تمكن الفريق من تحقيق الفوز في الدقيقة 90 بهدف نظيف على حساب ضيفه آينتراخت فرانكفورت، لينجح الفريق في التأهل إلى المسابقة الأوروبية الأكبر لأول مرة في تاريخه، وفي أول موسم بشكل كامل تحت قيادة ناجلسمان، بعد أن وصل ترتيب الفريق للمركز الثالث برصيد 58 نقطة قبل نهاية المسابقة ب3 جولات، ويلعب الآن الفريق على تحسين موقعه بين رباعي القمة مع إمكانية انهاء الموسم في مركز الوصيف، حيث يبعد حاليًا عن ثاني الترتيب، آر بي لايبزيج، بفارق 5 نقاط مع تبقي 3 مباريات على نهاية الموسم. ناجلسمان نجح في ثاني اختبار له مع هوفنهايم وبشكل مذهل، فبعد أن انقذهم من الهبوط في وضع صعب، تمكن في ثاني موسم من قيادتهم لدوري أبطال أوروبا، والآن يبقى الاختبار الأكبر لقدراته في الموسم المقبل مع مشاركة هوفنهايم في البطولات الأوروبية والضغوط التي سيتعرض لها الفريق في موسم الانتقالات المقبل، مع رغبة كبار الأندية في استقطاب نجوم الفريق، ورحيل لاعبين مهمين بالفعل في الصيف المقبل لصفوف بايرن ميونخ (المدافع نيكلاس سولي والظهير الأيمن سيباستيان رودي)، لكن الألماني الشاب يسير بخطى شاب ومميز فاتحًا الطريق أمام الكثير من إدارات الأندية لمنح الفرص للمدربين الشبان على غرار تجربته الرائع مع هوفنهايم.
