تواجه المواقع الأثرية فى الإسكندرية خطر الاندثار، وتقع بين «مطرقة النسيان» و«سندان الضياع»، حيث توقفت جميع مشروعات الترميم والتطوير التى كانت تجرى ب13 موقعاً أثرياً تابعاً لقطاعى الآثار المصرية والآثار الإسلامية والقبطية واليهودية منذ قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير عام 2011، بسبب انعدام التمويل المالى اللازم لاستئناف هذه المشروعات فيما لم تمتد يد الترميم لنحو 80% من آثار ومواقع الإسكندرية منذ عشرات السنين. «المصرى اليوم» تفتح ملف تاريخ الإسكندرية المهدد بالضياع والاندثار بعدما تعرض لسنوات طويلة للنسيان من قبل مسؤولى وزارة الاثار بسبب انعدام التمويل، حيث أكد أثريون أن تاريخ الإسكندرية مهدد بالاندثار والضياع تماماً، لاسيما أن الأثر الوحيد المسجل ضمن سجل التراث العالمى بمنطقة اليونسكو مهدد بالخروج من جنة اليونسكو، وهو منطقة أبو مينا الأثرية بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية بالمنطقة بالكامل، والتى تبلغ مساحتها نحو 600 فدان بالكينج مريوط. ويقول الأثرى محمد على سعيد، المدير السابق للآثار الإسلامية والقبطية واليهودية فى الإسكندرية والساحل الشمالى، إن العديد من المواقع الأثرية الإسلامية بالإسكندرية مهددة بالانهيار تماماً بسبب توقف أعمال الترميم لبعضها وانعدام الترميم للبعض الآخر منذ سنوات طويلة، مشيراً إلى أنه تأتى على رأس هذه المواقع مسجد ووكالة الشوربجى ومسجد إبراهيم تربانة ومحكمة الحقانية والمهددة بالانهيار وسور الإسكندرية القديم وأبراج الإسكندرية والبرجين الشرقى والغربى وأبراج أبو قير وصهاريج دار إسماعيل وابن النبيه وابن بطوطة والمباهمة وإنجى هانم والمنطقة الأثرية بأبو مينا بأكملها، والتى تشمل قبر القديس مار مينا العجائبى وموقع الحمام المصرى. وأضاف أن بعض المواقع بدأت أعمال الترميم بها، لكنها متوقفة منذ أكثر من 6 سنوات مثل مسجدى تربانة والشوربجى والباقى لم يرمم منذ أكثر من 20 سنة، بالإضافة إلى محكمة الحقانية، حيث لم ينفذ بها أى أعمال ترميم، وأن ما تم هو إعمال صلب للقبة لمنع وقوعها فى أى وقت إلى حين استئناف أعمال الترميم. وطالب «سعيد» بتدخل عاجل من قبل مسؤولى وزارة الآثار لإنقاذ تاريخ وتراث الإسكندرية من الاختفاء من الوجود بسبب عدم اعتمادات مالية لها منذ سنوات طويلة، مشيراً إلى أن الظروف الجوية وسوء الطقس والنوات الشتوية التى تهب على الإسكندرية تشكل خطورة بالغة على الآثار، مما يتطلب التدخل بالترميم وألا ستندثر تماماً من الوجود. وشدد على ضرورة إعادة ترميم القلعة، خاصة أن الحواصل والصخرة الأم تعانى تدهوراً كبيراً نتيجة ظروف المد والجزر مما يستدعى إعادة ترميمها من جديد، وكذا السراديب. وقال إن مدينة أبو مينا الأثرية الواقعة غرب الإسكندرية، والتى تعد الأثر القبطى الوحيد فى مصر المسجل على قائمة منظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «يونسكو»، ضمن أهم 5 مناطق تراث عالمى تابع لليونسكو فى مصر، والأثر رقم 90 على مستوى العالم فى مناطق التراث العالمى، تعانى خطر الضياع وتلف الآثار الموجودة وخروجها من مجلد التراث العالمى للمنظمة، وذلك بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية والتى تصل إلى نحو 5.5 متر، خاصة بعدما أخفت المياه مقبرة القديس مار مينا وحجراتها تماماً بسبب غمرها بالمياه. من جهته قال الأثرى أحمد عبدالفتاح، عضو اللجنة الدائمة للآثار، إن هناك ما يقرب من 10 مواقع أثرية تابعة للآثار المصرية بالإسكندرية، أبرزها مقابر الشاطبى والأنفوشى، تواجه خطورة كبيرة تصل إلى حد الانهيار تماماً بسبب ارتفاع منسوب المياه الجوفية التى غمرت أجزاء كبيرة منهما وتسببت فى غرق المقبرة الرابعة بالكامل من مقبرة الشاطبى، ما أدى إلى تآكل الجدران والأرضيات نتيجة ارتفاع معدلات الملوحة الناتجة من المياه الجوفية، مطالباً بالتدخل السريع والفورى لإنقاذ ما يمكن إنقاذه بالمقابر وجعلها على قائمة المشروعات التى سيتم البدء فى ترميمها خلال الفترة المقبلة. وأضاف «عبدالفتاح»- فى تصريحات ل«المصرى اليوم»- أن الوضع الحالى للمقابر الأثرية مزرٍ للغاية، ما يتطلب حلاً جذرياً وسريعاً للمقابر، مشيراً إلى أن مقابر منطقة الشاطبى الأثرية مهددة بالاندثار وتحتاج إلى تنفيذ مشروع كبير للرطوبة الناتجة بسبب قرب المقابر من البحر، فضلاً عن مقابر منطقة مصطفى كامل، والتى تم اكتشافها عام 1983 لكنها تحتاج إلى مشروع فنى وهندسى كبير لإنقاذ المنطقة المكتشفة حديثاً. ولفت إلى أنه من بين المقابر المهددة بالاندثار مقبرة اللاتين ومنطقة مقابر الورديان، والتى تعد من أهم المناطق من الناحية التاريخية، وهى موجودة بالطرف الغربى للمدينة بجوار ميناء الإسكندرية، وهى مقبرة سجلتها البعثة الفرنسية عام 1789 وتعد الوحيدة التى سجلها كتاب وصف مصر وتعد من أروع الجبانات للاعتقاد بأنه كانت لها علاقة بأحد ملوك البطالمة وقتها. وكشف «عبدالفتاح» عن تعرض منطقة مقابر سوق الجمعة غرب الإسكندرية للتدهور الشديد، والتى تم بناؤها على الطراز البطلمى، والمحاطة بترام الإسكندرية من الناحية الغربية، والمساكن الشعبية من الناحية القبلية، فضلاً عن أكوام القمامة التى تحيط بها من كل جانب، نظراً لكونها متاخمة للمساكن الشعبية بالمنطقة. وطالب «عبدالفتاح» بمشروعات شاملة تتضمن الترميم بنوعيه المعمارى الهندسى والدقيق للنقوش والرسومات، بحيث تكون مشروعات علمية مدروسة بشكل دقيق للغاية، مشيراً إلى أنه لا مانع من الاستعانة بالخبرات الأجنبية المتخصصة، بحيث تكون أعمالا مدروسة وليس مشروعات فرضية يقوم بها صغار المرممين. وقال «عبدالفتاح» إن المياه الجوفية تعد من أهم المشكلات التى تواجه آثار الإسكندرية، خاصة الموجودة فى المناطق الصخرية، التى توجد بها مقابر منحوتة فى الصخر بالقرب من مياه البحر، إلى جانب مياه الصرف الصحى، مما أدى إلى ارتفاع نسبة المياه الجوفية بها، والتى تؤثر عليها بشكل سلبى. من جهته قال الراهب القمص تداوس افا مينا، مسؤول الآثار بدير مار مينا العجائبى بالكينج مريوط، غرب الإسكندرية، إن مدينة أبو مينا الأثرية تعرضت خلال السنوات الأخيرة إلى مشاكل عديدة، من بينها ارتفاع منسوب المياه الجوفية، حيث قامت وزارة الآثار بتنفيذ مشروع خفض المياه الجوفية بتكلفة تقارب 50 مليون جنيه، وذلك لخفض منسوب المياه الجوفية فى المدينة الأثرية، مشيراً إلى أن المشروع بدأ فى عام 2005 فى حضور ممثلين عن «اليونسكو والدير والآثار»، وانتهى فى عام 2010، ولكن بسبب التغيرات السياسية التى حدثت فى مصر فى الآونة الأخيرة وما صاحبها من ظروف اقتصادية سيئة تعذر معها تدبير موارد مالية إضافية لإجراء أعمال الصيانة الدورية لطلمبات الرفع وأيضا انقطاع التيار الكهربى وحدوث أعطال فنية فى بعض طلمبات سحب ورفع المياه الجوفية، مما أدى إلى ارتفاع منسوب المياه الجوفية فى المدينة وبالأخص قبر القديس مار مينا الذى كان مخططاً ترميمه وتجهيزه للزيارة. وقال مصدر مسؤول بالإدارة الهندسية لآثار الوجه البحرى وسيناء إنه تم رصد نحو 57 مليون جنيه لمشروعات ترميم وتطوير لمسجدى إبراهيم تربانة ومسجد ووكالة الشوربجى منذ عام 2009 وتم الانتهاء من المرحلة الأولى قبل الثورة إلا أن هذه الأعمال توقفت بسبب قيام ثورة يناير وتعذر تدبير المبالغ المالية اللازمة لإنهاء الأعمال. وأضاف «المصدر»- فى تصريحات ل«المصرى اليوم»- أنه تم رصد 19 مليون جنيه لترميم مسجد تربانة الأثرى و38 مليون جنيه لترميم مسجد ووكالة الشوربجى الأثريتين إلا أن الاعتمادات المالية لم تتوفر نظراً للظروف التى تمر بها وزارة الآثار. ولفت إلى أن الإدارة الهندسية لديها 4 مشروعات أخرى لتطوير وترميم مقابر مصطفى كامل والشاطبى الأثريتين ورفع المياه الجوفية بهما، ولكن نقص التمويل حال دون طرحهما للتنفيذ حتى الآن، خاصة أن حالتهما لا تقل سوءاً عن مقابر الأنفوشى.