الأسبوع الأخير من يناير كل عام، تختتم مدينة ديترويت فعاليات معرض أمريكا الشمالية، بأمل واحد ومحدد جدا، أن يحقق المعرض نجاحا أكبر في العام المقبل!، وليس سرا أن صناعة السيارات الأمريكية مرت بأزمات كبيرة وصعوبات، أخرجتها من دوائر المنافسة في عدد كبير من القطاعات والفئات التي كانت تسيطر عليها في أسواقها المحلية بشكل كامل، في مختلف الولاياتالأمريكية، بخلاف عدد ضخم من الأسواق العالمية الأخرى، سنوات «العند» التي تمسكت خلالها الشركات الأمريكية بأساليب الصناعة الخاصة بها، في أحجام السيارات وأحجام المحركات الكبيرة، التي لا تراعى معدلات استهلاك الوقود، بجانب عوامل السلامة والأمان التي كانت هناك دائما عليها عدد من علامات الاستفهام بخصوص بعض الطرازات الأمريكية الشهيرة، وخصوصا الرياضية منها!. الحلم الأمريكى لسنوات طويلة قامت الشركات الأوروبية والآسيوية بغزو أسواق الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي كانت تعكس ما يسمى بالحلم الأمريكى، تلك الصورة الشهيرة لعائلة أمريكية من أب وأم وأطفال تعلو خدودهم الحُمرة، وتطل العائلة من سيارة أمريكية كبيرة، كاديلاك مثلا خضراء اللون!.. هكذا استمر «عناد» الشركات الأمريكية لعشرات السنين، كانوا شاهدين خلالها على أسماء أوروبية وآسيوية تحقق انتصارات كبيرة في الأسواق العالمية المختلفة، وكانت السوق الأمريكية هي الأكبر دائماً، أو حلم أي شركة سيارات، منذ الثمانينيات وحتى عام 2000 كانت السوق الأمريكية هي الأكبر والأضخم، كان هدف أي صانع اقتحامها والبيع داخلها!، باللغة الدارجة «العدد في الليمون»!. سنوات الغزو في الثمانينات تمكن عدد لا بأس به من الشركات من غزو تلك القلعة التي كان يظن أصحابها أنهم يحكمون السيطرة عليها!، كانت الشركات الأمريكية تراهن دائما أنها على دراية كاملة بالعميل الأمريكى، اتجاهاته ومتطلباته!، كانت الشركات الأمريكية تعتقد أن سيارتها هي الأفضل عندما يتعلق الأمر بالمستهلك الأمريكى، الذي يسعى بطبيعة الحال ل«الحلم الأمريكى» الذي تم فرضه عليه!، ولكن على العكس تماماً، بدأت السيارات الأوروبية والآسيوية في الانتشار، وبدأت الشركات الأجنبية في دراسة العميل الأمريكى من البداية، أنشأت مصانع خاصة بها في أمريكا الشمالية، مصانع كاملة وليست خطوطاً للتجميع، مصانع تضم أقسام الأبحاث والتطوير R&D، بهدف تقديم المنتج المناسب داخل تلك القارة الشاسعة التي تضم المليارات من العملاء المحتملين. «غرور» استدعى تدخل رأس الدولة الغريب أن انتصارات الأجانب داخل أمريكا كانت تزيد من غرور الشركات الأمريكية، مرت السنوات وكادت صناعة السيارات في أمريكا أن تسقط، ولم يكن هناك سوى الحلول الصعبة للعودة للمنافسة، والحفاظ على الكيانات الصناعية التاريخية، التي تعتبر مشاريع قومية، تدخل أعلى رأس في الدولة، الرئيس الأمريكى باراك أوباما في العام الأول لتوليه رئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، أشرف بنفسه على خطط تلك الشركات، كما ذكرنا لم يكن هناك سوى الحلول الصعبة، إعلان الإفلاس وتسريح العمال وإغلاق المصانع لإعادة الهيكلة، بعد أن اعتمدت الصناعة الأمريكية على الدعم المادى من الدولة، حتى تستمر في الحياة. خطط صارمة الحكاية يعرفها جميع المهتمين والمتابعين لأخبار صناعة السيارات، فقد بدأت الشركات الأمريكية بعد الاعتراف بالأزمة بالسير طبقا لخطط صارمة لاستعادة بريقها، وكانت فورد هي الأقل تأثرا بين الثلاث الكبار، ليس بسبب مبيعاتها الفائقة في الولاياتالمتحدةالأمريكية ولكن لاعتمادها بنسبة كبيرة على فورد أوروبا، التي كانت تحقق نجاحات فائقة بدورها سواء في القارة الأوروبية أو في الأسواق التي يتم التصدير إليها خارج أوروبا، مثل الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، كرايسلر لم تنج بشكل كامل ووضعت مجموعة فيات الإيطالية يدها عليها، واعتبرتها مدخلاً جيداً لها لاقتحام العلامة الإيطالية الأسواق الأمريكية في ثوب محلى، بأسماء مختلفة دودچ مثلا أو حتى چيپ!. عودة للمنافسة معرض ديترويت كان دائما يمثل المؤشر الرئيسى لحالة صناعة السيارات في أمريكا، فبعد الاعتراف بالأزمة كانت السيارات المعروضة دائما تستهدف تحقيق أعلى نسب للمبيعات، سنوات معدودة ابتعدت الشركات الأمريكية خلالها عن الابتكار والتقنيات الحديثة، كانت تسعى نحو التعافى أولاً، وهو ما حدث بالفعل فإذا اعتبرنا الفترة بين 2008 و2012 فترة تعافى الشركات الأمريكية، فقد بدأت في 2013 الابتكارات والنماذج التجريبية تظهر بوضوح، ليس فقط في ديترويت، بل في جميع المعارض الدولية. سباق عالمي خرجت الشركات الأمريكية للعالم من جديد، ولكن بعيدة تماما عن «العناد» هذه المرة، انضمت للسباق العالمى الذي يتمحور حول عناصر محددة جداً، الكفاءة، الوزن الخفيف وتسجيل أقل معدلات استهلاك الوقود، هذا بخلاف المشاريع المستقبلية التي أصبحت واضحة جداً لتلك الصناعة، مثل السيارات ذاتية القيادة، والاستفادة القصوى من أنظمة الاتصال في هذا الشأن. السيولة لذلك ففى بداية كل عام بعد الأزمة الاقتصادية كان ينطلق معرض ديترويت دون أن تخطف السيارات الأمريكية الأضواء، فالابتكارات والحداثة كانت دائما في الأجنحة الأوروبية والآسيوية، ولكن حققت الشركات الأمريكية خلال السنوات الماضية مكاسب تؤهلها أخيرا للعودة بشكل من الأشكال لهذا السباق، فالتطوير يتطلب دائما سيولة ضخمة. زيارة أوباما في 2016 هذا العام قام الرئيس الأمريكى بزيارة كل من أجنحة شيڤروليه وفيات كرايسلر وفورد. وقد قضى باراك أوباما الجزء الأكبر من الزيارة في مشاهدة طراز شيڤروليه Bolt الجديد وجلس خلف عجلة قيادة السيارة معلقا أنها سيارة جميلة، كما ألقى نظرة على سيارة كاديلاك Pacifica لعام 2017. ويتذكر أوباما في تصريحاته حول المعرض الأزمة الاقتصادية العالمية في 2008 عندما «أنقذ» الشركات الأمريكية من الانهيار الاقتصادى الذي كان سيتسبب في أزمة اقتصادية شاملة من شانها أن تؤثر على الكثير من الصناعات المساعدة للسيارات وفى النهاية تتسبب في خسارة العديد من المواطنين الأمريكيين عملهم قائلا أن ذلك كان قراراً يجب أن يأخذه ولم يكن يستطيع ترك تلك الشركات لكى تخسر واضعا المواطن الأمريكى أولا. باريس 2008 الحقيقة أن ما تذكره أوباما ووصفه لمشاهد 2008 الدرامية، لم يغب أبدا عنا كمتخصصين كنا شاهدين تماما على تلك الفترة، أذكر أننا كنا في معرض باريس عام 2008 وجمعنى لقاء طويل بنائبة رئيس چنرال موتورز وكانت الشركة وقتها تحتفل بإطلاق السيارة Cruze عالميا من باريس، وسألت نائبة رئيس الشركة في ذلك الوقت إن كان يزعجهم إزاحة العملاق اليابانى تويوتا لچنرال موتوز من مركزها الأول عالميا من حيث المبيعات، وابتسمت السيدة وقالت لى في هذا الوقت الصعب الذي نعيشه لا يمكننا مطلقا أن نفكر في إزاحة تويوتا لنا، فأمامنا الآن الكثير والكثير من العمل، وعندما سألتها إذا كانت تتوقع عودة چنرال موتورز لاحتلال الرقم 1 من جديد، وأذكر ردها جيداً، حيث قالت: «ليس علينا حتى أن نتوقع، الأمر الآن يدور حول الخروج من الأزمة، ما أستطيع تأكيده لك، هو أننا نسير طبقا لخطة مدروسة جيداً جداً». أكثر ثباتاً ومرت السنوات وكنت شاهدا على خطة چنرال موتورز، كانت فعلا خطة مدروسة بشكل ممتاز، تخطت الشركة أزمتها وسددت قروض الحكومة الأمريكية، وعادت للمنافسة بقوة، حالها حال الشركات الأمريكية الأخرى، حتى كرايسلر أصبحت تحت مظلة فيات. محركات أمريكية صغيرة! العام الماضى كان معرض ديترويت قوياً جداً، نماذج تجريبية متنوعة بجانب عدد لا بأس به من سيارات الأداء الرياضى الفائق أبرزها في هذا الوقت كانت سيارة فورد GT، كان ظهورها العالمى الأول، ولأول مرة في التاريخ خرجت السيارة بمحرك متوسط الحجم من ست أسطوانات، وهو أمر يشرح كيف تغيرت صناعة السيارات في أمريكا، وكيف أصبحت أقرب إلى اللغة التي يتحدث بها العالم داخل هذا المجال، كتبنا العام الماضى على خلفية إطلاق GT أنه إذا عدنا بالزمان 10 سنوات للخلف وحاولت إخبار مهندسى فورد بأنهم سوف يصنعون السيارة الرياضية الفائقة فورد GT بمحرك متوسط الحجم فمن المؤكد أنهم سوف يسخرون منى أو يعتبروننى شخصاً مجنوناً تماماً!، هكذا تغيرت المفاهيم. دورة 2016 عادية! المعرض هذا العام كان عاديا إلى حد كبير، لم يكن مبهراً بأى شكل من الأشكال، رغم وجود نماذج اختبارية كثيرة، ولكن لم يكن هناك حدث يذكر ولا سيارة كان إطلاقها مفاجأة كبيرة للصناعة، ولكن ارتفع أعداد الزوار عن العام الماضى، وسجلت الإدارة أيضا زيادة في أعداد رجال الصحافة والإعلام الذين فاق عددهم 5000 وجاءوا من أكثر من 60 دولة، شهد المعرض الكشف عن 61 سيارة جديدة، من بينها 46 سيارة للإنتاج التسويقى يتم طرحها للمرة الأولى عالميا، وثمانية نماذج اختبارية لأول مرة عالميا أيضا، بجانب ست سيارات ظهرت لأول مرة في معرض دولى، بخلاف الكشف عنها في أحداث خاصة، في الصفات التالية تقدم «سيارات المصرى اليوم» أبرز الطرازات والنماذج الاختبارية التي ظهرت في معرض أمريكا الشمالية الذي اختتم فعالياته في الأسبوع الأخير من الشهر الماضى بأداء عادى إلى حد كبير.