هذه رسالة وصلتنى من قارئة صادقة مع نفسها. قالت لى: «لا يهمنى فى شىء أن يقول الناس عنى إنى (عانس).. فاستخدام هذا اللقب من جانب المجتمع إنما يدينه هو، ويؤكد على تأصل قيم الجهل والتخلف الثقافى فى فكره». واصلت تقول: «حتى الفجوة العاطفية، وعطش الجسد، اللذان يتراكم رصيدهما فى داخلى مع الأيام بغياب الرجل الزوج/ الحبيب، يعوضهما إلى حد ما سعادتى فى العمل وحب ورعاية أسرتى وأصدقائى.. أما شعور الفقد الرهيب الذى يعذبنى ويؤرق مضجعى كل ليلة فهو فى اشتياقى المتزايد لطفل صغير أضمه إلى صدرى وأرعاه، وأعطيه من روحى ومن نفسى». كدت أشعر بدموعها تبلل كلماتها وهى تقول: «كثيراً ما أتخيل شكلى وبطنى منتفخ بحمل جنينى/ قرة عينى/ فأبحث فى الأسواق عن الفساتين التى تناسب السيدات الحوامل، وأرتديها ونفسى طائرة بالفرحة». شعرت وأنا أقرأ هذه الكلمات، المغموسة فى كيمياء الحرمان المركب، بأن تحولاً ما خطيراً قد طرأ على تركيبة الشخصية المصرية خلال ثلث القرن الأخير. لا شك أن فرص اللقاء الاجتماعى بين الجنسين قد تضاعفت عن جيل الأمهات والآباء، ومع ذلك أصبحت فرص العثور على شريك القلب والروح والعقل أشبه برحلة بحث عن دبلة فضية وسط تلال من القش. اليوم الفتاة تعانى الفقد والحرمان.. كذلك يعانى الشاب.. لكن الفارق الجوهرى فى هذا الوضع أن الرجل يملك ترف الانتظار إلى سن الستين، ولا يفقد فرصته فى أن يصبح أباً.. فى حين أن الفتاة تتضاءل فرصها بعد عمر الخامسة والثلاثين وتنعدم تماماً بعد الأربعين.. هكذا صنعتها الطبيعة، وهكذا زاد إلحاح الرغبة فى الزواج للإنجاب قبل فوات الأوان. سمعتها بأذنى من أكثر من شابة اقتربت من حافة الجفاف الهرمونى وهى تقول: «أستطيع أن أعيش بلا زواج لباقى العمر» ولكن لا أستطيع احتمال الحياة بغير طفل أرضعه.. أربيه وأعلمه، ليصبح إنجازى العظيم فى الحياة الذى أفتخر به». لهذا السبب سجل عدد من الفتيات اعترافاتهن لمجلة «صباح الخير» فى عددها الأخير بأنهن دخلن فى زيجات فاشلة مع علمهن المسبق بأنه ليس بها تكافؤ ولا مشاعر، لتحقيق أمنية واحدة غالية وهى الطفل الحبيب حتى لو كان عليهن تربيته دون وجود الأب. وهذه مشكلة أخرى تستحق المناقشة فى القريب. [email protected]
