أعتقد أن الكتابة عن أشخاص تحبهم ولا تجمعك بهم صداقة أو مصالح، وبغير ميل إلى المواسم التى يكيل فيها الناس المديح أو الهجاء لهم، هو من الأهمية لكلينا.. لنا للتأكيد على مواقفهم الجيدة والحذو حذوها ولهم حتى يدركوا أن مافعلوه من الصواب لم يذهب هباء أو سدى.. لذا أكتب الآن عن الكاتب محمد سلماوى ليس عن اسهاماته الصحافية والأدبية والمسرحية فلهذا الأمر رجاله ونقاده الأقدر منى على التحليل والنقد، ولو رصدت إعجابى الشخصى: أعجبتنى مسرحية «سالومى» ومسرحية «الجنزير» التى تصدت للإرهاب باسم الدين فى ذروته (عام 1995) وكذلك روايته «أجنحة الفراشة» الصادرة عام 2010 وفيها تنبؤ مذهل بثورة 25 يناير، وبالنسبة لسلماوى ناهيك عن الأوسمة والتقديرات العالمية والمحلية المتعددة التى حصل عليها بسبب منجزه الإبداعى ومنها جائزة الدولة التقديرية فى الآداب عام 2012 ووسام الفنون والآداب الفرنسى عام 1995 ووسام الاستحقاق من الرئيس الإيطالى عام 2006 ووسام التاج الملكى البلجيكى عام 2008. يهمنى فى مشواره الوظيفى أنه أسس عام 1994 جريدة (الأهرام إبدو) الناطقة بالفرنسية وظل رئيسا لتحريرها حتى عام 2010 حين بلغ سن التقاعد، وفى اليوم المحدد لملم كتبه وأوراقه وودع الزملاء دون أن ينتظر لحظة واحدة التزاما بقانون الصحافة الذى ينص على عدم تولى المناصب القانونية بعد اكتمال السن القانونية، وفى انتخابات التجديد النصفى لاتحاد الكتاب الأخيرة ورغم أنه كان رئيسا للاتحاد ولا تزال هناك مدة لانتهاء رئاسته محددة فى 2017، إلا أنه طلب إعفاءه من السنتين المتبقيتين فى مدة رئاسته لبلوغه سن السبعين أصر على طلبه فقبل الإعفاء. هذا سلوك موظف محترم يجب الثناء عليه. وفى الأزمة الأخيرة عندما قام أحد المواطنين برفع دعوى ضد جريدة (أخبار الأدب) لأنها نشرت فصلا من رواية أحمد ناجى «استخدام الحياة» باعتبار أنها نشرت مقالا جنسيا يسىء للقراء، أعلن سلماوى استعداده الكامل للشهادة وأثنى على المحكمة التى رأت الاستعانة بجهات الاختصاص وهم فى هذه الحالة الأدباء أبناء المهنة وقال: من يطالب بحظر أى كتاب أو عمل أدبى أو فنى هو ليس فقط على غير دراية بالأدب والفن وإنما هو أيضا لم يقرأ الدستور الذى أكد على حرية التعبير وطالب الدولة بحماية الإبداع الفنى والمبدعين كما حظر بشكل قاطع الأحكام السالبة للحريات فيما يتعلق بقضايا النشر والكتابات الصحفية والأدبية والفنية، وقد شهد فى المحاكمة التى انتهت بتبرئة الجريدة والكاتب.. الدكتور جابر عصفور والكاتب صنع الله إبراهيم ومحمد سلماوى.. وإليكم بعض شهادته لعلها تفيدنا أيضًا فى المستقبل القريب: (النيابة: هل قرأت المقال موضوع الدعوى والمنشور فى «أخبار الأدب»؟ سلماوى: لست أعرف عن أى مقال تتحدث، فأنا لم أقرأ أية مقالات وإنما قرأت فصلاً من رواية «استخدام الحياة» ل«أحمد ناجي» منشور فى الجريدة، والبون واسع بين الأدب الروائى والمقال الصحفى. مقالات متعلقة * في مديح الناجيات * فى مديح أنصاف الموهوبين! النيابة: هل تستطيع أن تقرأ لنا الآن وأمام الحضور جزءًا منها؟ سلماوى: هذا لا يجوز. النيابة: ألأنه خادش للحياء؟ سلماوى: هذا لا يجوز فى الأدب، فاجتزاء مقطع وحده هكذا وقراءته مستقلاً عن الرواية إنما يخرجه عن السياق الذى كتب فيه، ومن المبادئ الراسخة فى النقد لمن درسوه أن العمل الفنى لا يؤخذ إلا فى مجمله لأن المقصود منه هو تأثيره الكلى على المتلقّى وليس تأثير جزء واحد منه منفصلاً عن السياق الذى جاء به، لذلك لا يمكن لنا أن نجتزئ قطعة من تمثال لرائد فن النحت المصرى الحديث محمود مختار، مثل ثدى الفلاحة فى تمثال نهضة مصر الشامخ أمام الجامعة ونعرضه وحده على الملأ، وإلا كان بالفعل خادشًا للحياء لأنه خرج عن المعنى الوطنى الذى يرمز له التمثال ليصبح تأثيره حسيا بحتا، فما يخدش الحياء فى الحياة لا يكون كذلك فى الفن، وفى الوقت الذى يخدش حياءنا مشهد العرى فى الطريق العام فإننا نرسل طلبة المدارس إلى المعارض والمتاحف التى تضم لوحات فنية قد يكون بها بعض العرى دون أن يكون فى ذلك ضرر عليهم). اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة