فى منتصف فبراير 2010 صدرت فى السعودية فتوى صادمة، أثارت الشارع السعودى، واعتبرها البعض فتوى تحريضية تفتح باب الفتنة وتخلق صراعات طائفية أو دينية. الفتوى للشيخ «عبدالرحمن البراك»- 77عاماً- الذى أجاز «قتل من يبيح الاختلاط فى ميادين العمل والتعليم واصفا من يقوم بهذا العمل بالإنسان المرتد الكافر الواجب قتله». وقال: «من استحل الاختلاط فهو مستحل للمحرمات، ومن استحلها فهو كافر، ومعنى ذلك أنه يصير مرتدا، فيُعرَّف وتقام الحجة عليه فإن رجع وإلا وجب قتله». قد يكون من العبث مناقشة تلك الفتوى الخرقاء، لكن الخوف من انتقال الفتاوى الوهابية إلى المجتمع المصرى دفع فضيلة الدكتور «على جمعة»، مفتى الجمهورية، إلى التأكيد على أن الاختلاط بين الرجال والنساء فى المدارس والجامعات وغيرها لا مانع منه شرعاً، مادام كان ذلك فى حدود الآداب والتعاليم الإسلامية. ولعل انتباه الدكتور «جمعة» لخطورة تصدير الفتاوى الرجعية إلى مجتمعنا يؤكد تعرضنا لموجات من العنف الفكرى الموجه، من خلال فضائيات تبث التطرف وتكفر المبدعين، وتحرّض على الكراهية ومعاداة المرأة. فكأن صاحب تلك الفتوى الشاذة فكريا (الشيخ البراك) لا يرى فى المرأة إلا صورة شيطان يستنفر الهاجس الجنسى للرجال (!!). فالشيخ السعودى يصف الرجل الذى يسمح لأخته أو زوجته بالعمل أو الدراسة مع الرجال بالشخص «الديوث» أى الذى لا يملك الغيرة على عرضه. وعلى المرأة الآن أن تدفع فاتورة هذا الشطط، وتعود إلى المنزل جارية مطيعة تمارس دورها البدائى كوعاء للإنجاب!!. ما فعله «البراك» من بلبلة عبرت المجتمع السعودى لتستقر عندنا ليس إلا مثالا لما يأخذه أعداء الإسلام ذريعة للهجوم على الإسلام، ووصفه بمعاداة المرأة وتحقيرها، ونشر الثقافة الذكورية على حساب الحريات وحقوق الإنسان. وبالتالى أتوجه بحديثى لفضيلة الإمام الأكبر الدكتور «أحمد الطيب»، شيخ الأزهر لأسأل: إذا كان الأزهر نفض يده من تجديد الخطاب الدينى، رغم علمى بحداثة عهده فى الأزهر الشريف، فهل سنترك مهمة تجديد الخطاب الدينى للهواة والمتاجرين بالأديان؟؟. لقد اتخذ كل من: مفتى الجمهورية والدكتور أحمد زكى، بدر وزير التربية والتعليم، خطوة مهمة بتعديل مناهج التربية الدينية الإسلامية، لتنقيتها من الأفكار التى يمكن فهمها بأنها تحريض ضد الآخر والانعزال عن المجتمع. لكن ثقافة التسامح وقبول الآخر لا تنتشر بالتعليم وحده، إنها تحتاج لدعاة مستنيرين، وإعلام يخلع «النقاب الأعور» ليواجه مستجدات العصر.. فهل لدينا رجال مؤهلون لتلك المهمة؟؟. تجديد الخطاب الدينى لن يتم بداعية واحد، إنه يحتاج إلى كتيبة تنوير تؤمن أن الإسلام أول من أرسى مبادئ «الشورى» وأنصف المرأة. إن فتوى واحدة مستوردة كفيلة بإشعال نار الفتنة، ووأد المرأة على الطريقة الشرعية، وإغراق البلاد فى بئر التخلف.. لكن بعض الدعاة مشغولون ب«بيزنس الفضائيات» ونشر ثقافة «إرضاع الكبير».. فمن يوقف نيران «الفتاوى المستوردة»؟!