قال فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، إن قصر مفهوم الجهاد على القتال خطأ وافتراء على الإسلام، لأنَّ القتال نوع من أنواع الجهاد، وهو تارةً يكون فرض كفاية، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، وتارةً يكون فرض عين، وذلك إذا هجم العدو على بلدٍ ودخله، وحينئذ يكون القتال واجبًا على كلِّ فردٍ مكلف من أفراد هذا البلد، لأنَّ البلد أمام خطر داهم، فالجهاد ليس فرض عينٍ دائمًا، وكتب الفقه تقول: الجهاد في سبيل الله فرض كفايةٍ، إذا قام به البعض سقط عن الباقين، ما لم يدخل العدو البلاد. وأوضح الإمام الأكبر في حديثَه الأسبوعي، الجمعة، على قناة الفضائيَّة المصرية، أن مقاصد الشريعة الإسلامية تنحصر في حفظ الدين، والنفس، والعقل، والعرض، والمال، وبدون هذه الأمور ال 5 تتحول المجتمعات إلى مجتمعات ظالمة، وقد جاء الدِّين على رأس هذه المقاصد، لأنه الوحي الإلهي، ومصدر الهداية الربانية، الذي تستقيم به الحياة، لافتًا إلى أن قضايانا الكبرى كلها تقع وراء حدود العقل، وهنا تأتي أهمية الدين في هداية الناس إلى ما فيه صالحهم. وأردف فضيلته في الحديث الذي نقله بيان لمشيخة الأزهر الخميس، أن من مقاصد الشريعة حفظ العقل من أي شىء يؤدي إلى تخريبه وتغييبه، كالمخدرات والمسكرات، وحفظ العرض من اقتراف الفواحش، وحفظ المال من أكل أموال الناس بالباطل، وحفظ النفس من القتل وما فيه سبب لتدمير صحة الإنسان، فهذه المقاصد ال 5 توجب التصدي لكل ما يؤدي إلى هدمها. وشدد على أن المشكلة الرئيسية هي اعتقاد بعض الناس خطأ في أن الجهاد لا يكون إلا بالسلاح، وفي نفس الوقت لا يعلمون أن الجهاد له أنواع أخرى غير قتال العدو، منها مكافحة المرض لخَلْقِ إنسانٍ مسلمٍ صحيحٍ، ومكافحة الجهل لبناء عقلية مسلمة تفيد مجتمعها، ومكافحة الفقر ليصبح لدينا إنسان مسلم سوي قادر على الارتقاء بوطنه وأمته. وقال شيخ الأزهر: إن دعوات الجهاد الحركيِّ الذي انتشر بين الجماعات المسلحة في العصر الحديث كانت دعوات لخروج بعض الناس على المجتمع، والذي فلسف لها أبوالأعلى المودودي، ثم من بعده سيد قطب في كتابه «معالم الطريق»، الذي مكَّن لمن يطلق عليهم «القطبيون»، أن يعتنقوا هذا المذهب الحركي في الدعوة الإسلامية بالقتال، ومنطلقهم أن الإسلام ليس عقيدة فقط، وإنما هو عقيدة تنتشر بالبيان، ونظامٌ اجتماعيٌّ حركيٌّ يفرض بالسلاح، وتجب مقاومة مَن يفرض أيّ نظامٍ اجتماعيٍّ آخر. وأكد أن هذه الدعوات لم تُعرف في تاريخ الإسلام، ولم ترد عن النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ- إطلاقًا، بل إنه- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ- خوطب بقوله تعالى: «ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ النحل: 125، فالآية تشير إلى أن طرق الدعوة تتمثل في الحكمة، والموعظة الحسنة، والجدال بالتي هي أحسن، وذلك على حسب أصناف المدعوين والإسلام لا يعترف بالجدال السيِّئ الذي يؤدي إلى ضياع الحقيقة والتطاول على الآخر. واختتم فضيلته حديثه، بأن مفهوم الجهاد في القرآن الكريم والذي طبقه النبي- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ- كان في إطار رد العدوان لا فرض العقيدة قال تعالى: (فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ) الكهف: 29، وقال جلَّ وعلا: (لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ) الغاشية:22، مطالبًا هذه الجماعات بالاستدلال ولو بحادثة واحدة على أنِّ النبيَّ- صَلَّى اللَّهُ عَلَيْه وسَلَّمَ- فرض الإسلام بالسلاح.