السبت الماضى كان موعدنا مع أول تجربة حقيقية مع الديمقراطية، كنا نتحدث عنها كثيرا، باعتبارها الغول أو العنقاء، لم نكن نتصور أننا يمكننا أن نحصل عليها بالسيناريو الذى حدث وبالزخم الذى جرت به، ظللنا أعواماً طويلة نتحدث عن أمنيات بدت وكأنها «عشم إبليس فى الجنة».. كنا نتحدث عن تعديلات بسيطة فى الدستور، تحد من فترة الرئاسة الأبدية، بل كنا نأمل أن يكمل الرئيس مبارك فترته الرئاسية بعد أن يتعهد بأنه لن يخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، وتسامح بعضنا أكثر وقال طيب ممكن يترشح بس نريد تأكيدات بعدم ترشح نجله، لأن ملف التوريث كان هو الشغل الشاغل، ونجح فى استقطاب المجتمع كله إلى معسكرين.. معسكر دعم التوريث والتعامل مع جمال مبارك باعتباره الرئيس الفعلى، ومعسكر «على جثتى»، وبين المعسكرين توزعت النخبة، وتسلحت بصحف ووسائل إعلام وأنهر من الكلمات، وكل «نخبوى» من هؤلاء يخرج علينا بلغة فخمة، وعبارات بليغة، وعادة ما يبدأ حديثه بكلمات مثل «فى الحقيقة»، «ومن المؤكد»، ويسرف فى تأكيد وجهة نظره، باعتبارها حقاً لا يأتيه الباطل أبدا، وفجأة اندلعت «ثورة يناير»، وفى الأيام الأولى استمرت النخبة العرجاء فى أدائها ولم يختلف قادة الأحزاب والحركات السياسية الديكورية عن الكتاب والصحفيين، وحملة ال «د.» الذين يفترضون أن ما يقولونه هو الصواب حتى لو كان على خلاف واضح مع الواقع كله، ومع استمرار الثورة زاد ارتباك النخبة، ودخلت فى حالة من الأداء العصابى والهيستيرى، حتى جاء يوم 11 فبراير بلغته الحاسمة، التى تفهمها النخبة الميكافيلية جدا، فبدأت التحولات الفكرية والسياسية والإعلامية تأخذ مسار «المنتصر»، وبدا واضحاً للعالم كله أن الشارع أكثر وعياً من قادته فى كل المجالات، وتهافتت نظريات وتحليلات النخبة المنقسمة، ويبدو أن هذه النخبة لم تتعلم الدرس، فقد عادت نفس الانقسامات مع اقتراب موعد الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ووقف الشارع من جديد فى جانب والنخبة فى جانب آخر، واخترعوا «فزاعة» «فلول الحزب الوطنى» و«جاهزية الإخوان»، وعدم جاهزية الشارع، الذى أرى، كما رأى العالم كله، أنه «أكثر شعوب العالم جاهزية فى هذه المرحلة»، ومع ميكروفونات النخبة، ودورها فى إنتاج الكلام، وقفت الأغلبية متحيرة وأنا منهم.. ماذا نفعل؟. كانت النخبة تواصل العراك والتشدد والعنف الخطابى، وتعيد إنتاج آراء السلطة المخلوعة عن جهل الشارع وسهولة استدراجه وقلة ثقافته، وعدم قدرته على ممارسة الديمقراطية. هؤلاء كانوا يمثلون جبهة «لا» الذين وجدوا فى أنفسهم الجرأة على وصف الشارع بالجهل ولن أكرر عبارات البعض هنا فنحن لسنا فى صدد أحداث فتنة جديدة. لكننى سمعت منهم ما سبق أن سمعته من د.أحمد نظيف واللواء عمر سليمان أن الشعب لم ينضج بعد وأمامه مشوار طويل ليصل إلى الديمقراطية وكأن الديمقراطية درجة دكتوراه يجب أن يدرس الشعب لمدة لا تقل عن عشرين عاما ليحصل عليها، أيها السادة والسيدات ، الديمقراطية نظام غاية فى البساطة والروعة، فهو ببساطة أن تختار بحرية وتتحمل مسؤولية اختيارك، ويكون لديك القدرة على تعديل اختياراتك بعد ذلك فى حالة ما وجدت أن ذلك الاختيار كان سيئاً، إنها مثل قصة الشعر، لا أظن أن أحدنا -رجلاً أو امرأة- يندم كثيرا حين يجد أن اختياره لقصة شعره لم تكن موفقة، فدائما هناك خيار تغيير مؤجل ومتوفر، لا تضيعوا فرحتنا بممارسة الديمقراطية، فلأول مرة يخرج أكثر من 18 مليون مصرى ليبدى كل منهم رأيه فى مستقبل بلده ويعود لمنزله راضياً عن نفسه كل الرضا، وينظر بفخر للحبر الفسفورى فى أصبعه ولسان حاله «اليوم أستحق أن أفخر أنى مصرى».