ساحرة كلمة «لا»، تكاد من فرط قوتها تكون مرادفاً لكلمة «الحرية». «لا» التى اندثرت من قاموسنا اللغوى، فى زمن كان للخنوع، والخضوع، والتقهقر، والاستسلام، باتت، الآن، لافتات فى الشوارع والحارات والميادين، وملصقات على الملابس والسيارات. «لا» حين شاهدتها مساء الجمعة الماضى فى أيدى شبان وشابات، كانت كزرع يورق فى ربيع الحرية، أو كطائر فرح بفك قيوده، فلا يريد أن يحط، مع أن «نعم» كانت طاغية فى مكبرات الصوت ومن فوق المنابر، وعبر الفضاء. «لا» كانت «عفية» فى أيديهم، حتى تمنيت أن تنجح لا لشىء مما يرويه سادة الدساتير، وهواة الكلام، ومروجو الشائعات، وعشاق الفضائيات، والخائفون من السلفيين والإخوان، ومن فتحت لأجلهم أبواب السجون، والقتلة الأبطال. تمنيت أن تنجح «لا» لسحرها العظيم، وفتنتها الطاغية، تمنيت أن تنجح ليسجل التاريخ أن المصريين قالوا «لا» بلا خوف. ف«لا» لأول مرة لا تخاف من سطوة «نعم»، بل تجاورها كأصبعين فى كف واحدة. الآن تعلمنا أن نقول: «لا» للاستبداد، «لا» للفساد، «لا» للطغيان، «لا»، لتهميش القانون، وتسليطه على رقاب الضعفاء وحدهم، «لا» لاحتكار الدين وتحويله إلى أداة يتستر خلفها متسلطون جدد، «لا» للفتنة، ونفى الآخر، وإلقاء التهم على المختلفين والمخالفين، «لا» لبيع المبادئ، فالوقت للشرفاء، والمجتهدين، وسينحسر الزمن عن أمراء الهزائم، وتجار الحروب، وسينهزم الاستغلاليون الذين كانون يجلسون عند أحذية سادتهم، ثم استغلوا ضعفهم ليحققوا لأنفسهم مغانم الخسة والعار. فعلا، «لا» جميلة، قلها لأنها تحررك من أغلال نفسك، وتشد ظهرك المحنى بفعل الهزائم المتلاحقة. «لا» لسياسة الإقصاء والنفى والتجريد والتجريس. «لا» تمنحك سيف المنتصر، وجسارة الفدائى. «لا» للحاجة التى تذل أعناق الرجال. «لا» تطهرك من دنس الخنوع، وبؤس الانتظار. قل: «لا» بصوت يكسر جدران الخوف، ويحطم جبال الخطب الجوفاء. قل: «لا»، وعانق «نعم» فى زهوها، ف«لا» رمز التحضر، وتاج «الحرية»، «لا» تهاب المنتصرين، لكنها تدعمهم طالما كان النجاح بشرف. «لا» القوية تحترم «نعم» الفائزة، وتمنحها مصداقية الأغلبية، وتنزع منها عصا التسلط، وزيف البقاء إلى الأبد، وخديعة النصر الدائم. «لا»، لا تموت حين تنتصر «نعم»، ولا ترتدى ثوب الهزيمة، بل تصبح صوتاً أكثر قوة، صوتاً يجابه ويقوِّم انحراف «نعم». ف«لا» ليست شيطاناً أخرس يصمت عن الحق، ويتدثر بالباطل. قل: لا للتكفير، والتحريم، والتحليل بغير علم. قل: «لا» للانتهازيين. قل: «لا» لمن يصطاد فى الماء العكر، ويثأر من أقوياء باتوا أذلاء ضعفاء. قل: لا «للصمت». «لا» للهزيمة، «لا» لضياع النخوة، «لا» للعبودية. قل: «لا» للخيانة، «لا» للفقر، «لا» للجوع، «لا» للغش، «لا» لموت الضمير. قل: «لا» للفوضى وهزيمة القانون. قل: «لا» لذاتك النرجسية، وطباعك السيئة، قل «لا» لتعطيل العمل، وإرباك المرور. قل: «لا» لمحتكرى الكلام، وكذابى الزفة. قل: «لا» كبيرة لمن يصوب سهام الخوف إلى صدرك. قل: «لا» لمن يطوق «لا» بأسوار العيب. قل: لمن حولك: حافظوا على «لا»، فإن ماتت فستقولون «نعم» وأنتم عرايا أمام جلاّديكم.