على أغنيات أم كلثوم ومحمد عبدالوهاب والحنين إلى الماضي وأثاره الجميلة يفتح المخرج هشام محب رحلته للبحث عن تاريخ مجموعة من البنايات الضخمة التي تحتل شارع عماد الدين منذ عقود طويلة، لكنها فقدت طلتها ورونقها بفعل الإهمال، تلك الآفة التي تستشري في مجمتعنا المصري. وبين رسومات يدوية وكتب تستعرض تاريخها، يطلق محب بطله أحمد توفيق الطالب بكلية التربية النوعية قسم التربية الفنية والمولع برسم الطرز المعمارية القديمة، لرؤية ومعاينة العمارات الخديوية على أرض الواقع، بشارع عماد الدين بمنطقة وسط البلد، في فيلم يحمل نفس الاسم، وحصل على جائزتي أفضل تصوير وجائزة لجنة التحكيم بمهرجان بورسعيد للأفلام الروائية والتسجيلية القصيرة مؤخرا، ويبحث تأثير المكان وتاريخه وما وصل إليه في السنوات الأخيرة، ويفتتح بإهداء «إلى الأماكن التي نعشقها». وإلى القاهرة يتجه البطل أحمد توفيق – يجسد دوره الممثل أحمد القصبي- ليرصد العمارات الخديوية بشارع عماد الدين، واحدة من أكبر الأثار التي بنيت في عهد الخديوي إسماعيل، وتميزت بطرازها المعماري الفريد والزخارف البديعة والأشبه بالبنايات الأوروبية، لكنها باتت تراثا مهملا يندثر، طغت عليه العشوائيات وشوّهته، ولم يُقدر المصريون قيمته ولم يحافظوا عليه. وفي مشهد معبر تتساقط الرسومات التي يحملها البطل لتلك العمارات خلال قدومه في محطة السكة الحديد، بفعل الزحام والتدافع، لتدوسها أقدام العابرين، مثلما داس المصريون تلك العمارات وشوهوا تاريخها وجمالها. ومع رحلة البطل إلى القاهرة لرسم تلك العمارات عن قرب، تتغير الأجواء الهادئة التي قدم منها، من إحدى المدن الريفية، إلى صخب العاصمة وازدحامها وقبحها، وعشوائياتها التي طغت على كل شئ، في بناياتها وشوارعها، وفي الوجوه، حتى في الأغاني التي تنتشر بين سكانها في محال أشهر منطقة تجارية بها منطقة وسط البلد. ويرصد البطل ذلك التراث المعماري لتلك الفترة المهمة في تاريخ مصر الحديثة، من 421 بناية داخل مساحة لا تقل عن 700 فدان، معظمها بنيت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر، فيما يشبه متحف معماري مفتوح، والعقدين الأولين من القرن العشرين، تمتاز بالطرز المعمارية المميزة والدقيقة والزخارف التي يأتي بعضها بواجهات حديدية، صممها معماريون عالميون، منهم النمساوي أنطونيو لاشياك، قدموا من بلادهم خصيصا لتصميمها بمصر. وبينما يخوض البطل أولى رحلاته إلى القاهرة، بحثا عن العمارات الخديوية، لايجد ضالته كلما سأل عن تلك العمارات إلا حين يسأل عن شارع عماد الدين نفسه، فيدله المارة إلى هدفه، الذي لم يقطنه سكان، بل تستحوذ عليها شركات التأمين، والمكاتب الإدارية والبنسيونات، والمحال التي افترشت ببضاعتها واجهات وأسطح واحدة من الطرز المعمارية التاريخية الفريدة في العاصمة. ويسوق المترددين عليها في حديثهم للبطل عنها جملا لا تعكس سوى آفة الإهمال التي استشرت في أثارنا وتاريخنا كمصريين، فأحدهم يعمل موظفا- وفقا لوصفه- يؤكد أن التعامل معها يجري كعمارة عادية جدا، ولا يراعي أنها أثرا ولا تعنيه تلك المسألة، وأخر يعمل مسؤولا بالأمن يؤكد ان الواجهات والطرز المعمارية بها لا يتم التعامل معها أو صيانتها، من قبل أي مسؤولين، فقط تعامل كبنايات وجدران تجري توصيلات الكهرباء والمرافق المختلفة بها. [image:9:center] اختفت الواجهات والزخارف في العمارات الخديوية بشارع عماد الدين، وشوهت معالمها بالدهانات المنفرة وتركيبات التكييفات وواجهات المحال التجارية، وطغت العشوائيات في مجتمع يقدس الكراكيب والاحتفاظ بها على أسطحها، فغابت الحضارة والمعايير الجمالية والفنية لتنتهي رحلة البطل بصدمة ما سببه الإهمال والقبح اللذين غلفا تلك البنايات التاريخية.