وزير التعليم العالي يكرم رئيس جامعة طيبة التكنولوجية    حملات توعية للسيدات حول خطورة الطلمبات الحبشية بالشرقية    بسبب غارات روسية، إعلان حالة التأهب القصوى في أنحاء أوكرانيا    درع الدوري الممتاز الجديد يجوب شوارع القاهرة في جولة خاصة (فيديو)    نائبة وزيرة التضامن تشهد انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    زاهي حواس: وادي الملوك مليء بمقابر لم تكتشف بعد    صحة المنوفية: «مكافحة الأمراض المعدية» تراجع الاستعدادات لبعثة الصحة العالمية    النواب الأمريكي يمرر مشروع قانون لتعزيز تأمين مرشحي الرئاسة    السياحة تتابع انتخابات مجلس إدارة نادي السيارات لدورة 2024/2028    موعد طرح «عنب» ل أيتن عامر في دور العرض المصرية (تفاصيل)    إيهاب فهمي يحتفل بالمولد النبوي    نائبة وزيرة التضامن تشهد انطلاق فعاليات ملتقى فنون ذوي القدرات الخاصة    أحمد الكحلاوي: الرسول احتفل بمولده بهذه الطريقة    مدرب الأهلي السعودي يوضح سر تغيير رياض محرز أمام ضمك    مندوبة أمريكا لدى مجلس الأمن: الولايات المتحدة ليست متورطة في تفجيرات لبنان    مصرع طفل قعيد إثر حريق اشتعل بمنزل في العياط    حياة كريمة تدخل البهجة على أطفال 3 محافظات ب «شنط وأدوات مدرسية»| صور    وزير التربية والتعليم يتفقد 9 مدارس بأسيوط لمتابعة جاهزيتها    فيفا يعلن جدول ومواعيد بطولة كأس انتركونتيننتال بمشاركة الأهلي    بعد تصدرها الترند.. أول تعليق من الطرق الصوفية على الطريقة الكركرية    لافروف: روسيا تمتلك أسلحة ستكون لها «عواقب وخيمة» على رعاة أوكرانيا    إيطاليا تخصص 20 مليون يورو لمواجهة تداعيات الفيضانات بمنطقة إميليا رومانيا    زهق من الوحدة.. مسن ينهي حياته بشكل مأساوي تحت عجلات مترو أم المصريين    مالك نانت ردًا على شائعات بيع النادي: لا أعرف أرنولد.. وكفاكم هراء    ما هو حكم التوسل بالأنبياء والأولياء والصالحين وطلب المدد منهم؟.. فيديو    النقد العربي: البورصة المصرية الأكثر ارتفاعًا بين أسواق المال العربية خلال أغسطس    ما العضو المسئول عن خروج الصفراء من الدم؟.. حسام موافي يوضح    فيفا يعلن تفاصيل كأس العالم للأندية 2024 بمشاركة الأهلى والنهائى فى قطر    مسؤول أممي: 16 مليونا في سوريا بحاجة للمساعدة.. ومعاناة الأطفال تتفاقم    خالد عبد الغفار: 100 يوم صحة قدمت 80 مليون خدمة مجانية خلال 50 يوما    الجيزة تحتفل بعيدها القومي    عودة جديدة لبرنامج الطروحات الحكومية من خلال شركتي مصر للألومنيوم وكيما وبنك الإسكندرية    زيدانسك تضرب موعدا مع سرامكوفا في نصف نهائي تايلاند    آية الكرسي: درع الحماية اليومي وفضل قراءتها في الصباح والمساء    "اعتذار عن اجتماع وغضب هؤلاء".. القصة الكاملة لانقسام مجلس الإسماعيلي بسبب طولان    الكرملين يؤكد اهتمام أجهزة الأمن الروسية بالانفجارات في لبنان    واقف قلقان.. نجل الشيخ التيجاني يساند والده أمام النيابة خلال التحقيق معه (صور)    دعاء يوم الجمعة: نافذة الأمل والإيمان    جمعية الخبراء: نؤيد وزير الاستثمار في إلغاء ضريبة الأرباح الرأسمالية في البورصة    محافظ قنا ونائبه يتابعان تنفيذ أنشطة بداية جديدة بقرية هو    بعد الموجة الحارة.. موعد انخفاض الحرارة وتحسن الأحوال الجوية    الإفتاء تُحذِّر من مشاهدة مقاطع قراءة القرآن المصحوبةً بالموسيقى أو الترويج لها    ضوابط شطب المقاول ومهندس التصميم بسبب البناء المخالف    وزير الأوقاف يشهد احتفال "الأشراف" بالمولد النبوي.. والشريف يهديه درع النقابة    وزير الزراعة يبحث مع المديرة الإقليمية للوكالة الفرنسية للتنمية التعاون في مجال ترشيد المياه والاستثمار الزراعي    "بداية".. قافلة طبية تفحص 526 مواطنًا بالمجان في الإسكندرية- صور    طريقة عمل بيتزا صحية بمكونات بسيطة واقتصادية    وزير التعليم يصل أسيوط لمتابعة الاستعدادات للعام الدراسى الجديد 2024/ 2025    بعد تفجيرات «البيجر».. خبير استراتيجي يحذر من خطورة السيارات الكهربائية    التعدي على مالك قاعة أفراح وزوجته وسرقة سيارة وعقد زواج عرفي بالفيوم    خبير تربوي: مصر طورت عملية هيكلة المناهج لتخفيف المواد    غرق موظف بترعة الإبراهيمية بالمنيا في ظروف غامضة    «الداخلية» تنفي قيام عدد من الأشخاص بحمل عصي لترويع المواطنين في قنا    الأنبا رافائيل: الألحان القبطية مرتبطة بجوانب روحية كثيرة للكنيسة الأرثوذكسية    عبد الباسط حمودة ضيف منى الشاذلي في «معكم».. اليوم    رابط خطوات مرحلة تقليل الاغتراب 2024..    مصطفى عسل يتأهل لنصف نهائي بطولة باريس المفتوحة للإسكواش 2024    ليس كأس مصر فقط.. قرار محتمل من الأهلي بالاعتذار عن بطولة أخرى    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأخطاء التسويقية لدُعاة التغيير
نشر في المصري اليوم يوم 17 - 04 - 2010

ترددت كثيراً فى تقديم تصور موضوعى وتقييم علمى لموضوع رغبة البعض فى الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، وما أعقب ذلك من تحركات له داخلياً وخارجياً للتسويق لهذه الخطوة، أو لنقل لفرضها على أرض الواقع.. ومصدر ترددى هو الخشية من أن يتم تفسير هذا التحليل العلمى فى ضوء انتمائى الحزبى الذى أعتز به وأتشرف بالانتماء إليه.. غير أننى وجدت أن ما سأطرحه هو فى نهاية الأمر تحليل علمى، والرد على العلم لا يكون إلا بمثله، والرد على الأساليب الموضوعية لا يكون إلا بمثلها، والانتماء الحزبى ليس متعارضاً مع الموضوعية البحثية، بل إنه يؤدى أحياناً إلى المبالغة فى اتخاذ الإجراءات الكفيلة بالموضوعية والمؤدية إليها درءاً لسوء الظن، وتجنباً للاتهام بالذاتية.
وقد تتبعت خلال الأشهر القليلة الماضية تقريباً كل ما كُتب أو أذيع حول نية البعض الترشح لمنصب الرئيس.. وقد تتبعتها ليس كقارئ يريد أن يتابع أولاً بأول تفاصيل هذا الموضوع، وليس كحزبى فى إطار مراقبة البيئة التنافسية، والوقوف على الرسائل المضادة لبحث كيفية الرد عليها أو مواجهتها، وإنما تتبعت هذه الأخبار والتحركات كباحث وكمتخصص فى مجال الإعلام والاتصال والتسويق، فى إطار دراسة علمية موسعة أعكف عليها منذ عدة سنوات، حول استراتيجيات وأساليب التسويق الاجتماعى والسياسى فى الدول الغربية والعربية، ولذلك كان تتبعى منهجياً، وكان تحليلى لها تحليلاً يستند إلى قواعد التخصص، وينبنى على ركائز البحث العلمى، وكان تحليلى لها مجرداً من أى نزعة حزبية أو ميل سياسى.
وقد يكون من اللازم اللازب هنا - على حد تعبير أستاذنا العقاد - أن نشير إلى أن هذا التحليل لا ينصب على شخصيات أولئك الذين أعلنوا رغبتهم فى الترشح، ولا يحاول إسقاط أى شىء عليها، ولكن التحليل ينصب على الإجراءات والأساليب التى يقومون بها فى إطار هذا الموضوع، وهى لا شك من الممكن اعتبارها نموذجاً لكيفية معالجتهم كثيراً من القضايا اللاحقة، ونموذجاً يعكس طريقة لعبهم سياسياً، وهى مسألة مهمة لتحليل شخصية المرشح السياسى، أياً كان المنصب الذى يحاول الترشح عليه.
وبصفة عامة، تشير الخلاصة العامة لهذا التحليل إلى أن هناك أخطاء عشرة رئيسية، من الناحية التسويقية والاتصالية، قد وقع فيها أولئك الذين أعلنوا نيتهم فى الترشح.
أول هذه الأخطاء هو «التسويق دون وجود السلعة أو الخدمة»، فالمتحدثون عن التغيير يبيعون سلعة غير موجودة لديهم، ولئن سألت أحدهم عن ماهية التغيير، واتجاهه، كان الرد السريع: «نريد تغييراً وحسب».. وكأن التغيير أصبح غاية فى حد ذاته، وليس مهماً أن يكون التغيير إلى الأفضل أو إلى الأسوأ.. المهم أن نغير أياً كانت النتائج، وأياً كانت الضريبة التى سندفعها، قبول التغيير معناه وجود برنامج واضح، وخريطة طريق دقيقة.. وتسويق التغيير لابد أن تصاحبه سلع أو خدمات محددة يتم الترويج لها والتركيز عليها، أما التسويق للأفكار المجردة دون ربطها بالواقع الملموس فقد أشارت نتائج الدراسات العلمية إلى فشله.
وثانى هذه الأخطاء هو أن يتنصل البائع أو المسوّق من أى التزام، تماماً مثلما كنا نقول فى الماضى إن البضاعة المباعة لا ترد ولا تستبدل، فقد سئل أحد من لديهم النية للترشح عن برنامجه فقال: «الشعب هو صاحب البرنامج، والشعب هو المسؤول إن أراد»، وهكذا.. ولا يخفى على أحد مدى الاستخفاف فى هذا الرد، فمادام الشعب هو صاحب البرنامج فلا حاجة به إلى رئيس، فلينفذ الشعب برنامجه بنفسه إذن، الشعب الذى يتحدثون عنه هو صاحب مصلحة، وهو متلقى الخدمة، وعلى من يرد أن يحظى بثقته أن يقدم له برنامجه بوضوح، ويختار الشعب المرشح صاحب البرنامج الأفضل، أما أن يتم نسبة البرنامج إلى الشعب فهو يعنى التنصل مسبقاً من أى نتيجة مترتبة على تطبيق هذا البرنامج «هذه بضاعتكم رُدت إليكم»، وامتداداً لهذا المعنى أقول أين الرؤى المتكاملة لهذه الشخصيات؟ وأين السياسات التى تتعامل مع الواقع والتحديات بحلول حقيقية.
وثالث هذه الأخطاء هو اتباع أسلوب «الشريك البائع»، فأصحاب النية فى الترشح يزكى كل منهم الآخر، ويعلن عن نيته فى التنازل لصاحبه لأنه «قيمة وقامة»، ويبرز كل منهم مزايا الآخر، وهذا الأسلوب معروف فى عالم التسويق كأسلوب للضحك على «الزبون»، خاصة إذا كانت البضاعة أو الخدمة المعروضة للبيع غير ذات جودة، أو بالأحرى رديئة، وفى مجال المنافسة يصبح استخدام هذا النوع من الأساليب إقراراً ضمنياً وصريحاً بأن كل طرف غير جدير بالترشح.. وأن كل طرف يريد أن يبيع ويسوق صفة «التضحية» وحب المصلحة العامة، رغم أن السبب الحقيقى هو أن السلعة «راكدة».
ورابع هذه الأخطاء هو إضفاء صفة الحصانة والمنعة على أصحاب نوايا الترشح، فإذا كان من الممكن أن تنتقد «الصحابة والتابعين»، وتصبح فى هذه الحالة «تنويرياً»، فإنه من الصعب أن تنتقد أصحاب هذه النوايا وإلا أصبحت رجعياً وخائناً.. الأفكار التى «لا يجوز الاقتراب منها أو التصوير» لا يُقبل عليها البشر لارتباطها بأشياء لا يحبونها.. وبقدر قربك من الناس، وبقدر كونك «واحداً منهم» يقبل عليك الآخرون.. أما فرض الحصانة المطلقة على الأفراد فهو بداية الخسران.
وخامس هذه الأخطاء هو الاستعلاء على الجمهور، وتوجيه اللوم إليه.. فإذا لم يستغل الشعب هذه الفرصة الذهبية، ويضغط على المسؤولين فعليه الانتظار خمسين سنة أخرى.. على الشعب أن يوقع على بياض لى.. على الشعب أن يجمع توقيعات.. على الشعب أن يفعل كذا وكذا.. وإلا فسوف أنسحب ولن أعطى له شرف أن أرشح نفسى رئيساً.. لا يمكن تسويق فكرة التغيير بهذا المنطق.. وما هكذا تُورد الإبل، كما يقول المثل العربى.
وسادس هذه الأخطاء هو قصور اللغة المستخدمة، وعدم مناسبتها للجمهور المستهدف.. أحد المرشحين يستخدم لغة أقرب إلى اللغة الصينية بالنسبة للجمهور المصرى، سواء من حيث التراكيب، أو من حيث الإيقاع.. هو يفكر بالإنجليزية ويتحدث بالعربية.. تماماً مثلما نقول بالإنجليزية I drink cigarettes فى الإشارة إلى أننا نشرب السجاير بالعربية.. اللغة التى يستخدمها هؤلاء المرشحون إما أنها لغة «مقعرة» لا يفهمها سواهم، ولا يفك رموزها غيرهم.. أو أنها لغة تخاطب شعباً آخر، وذوقاً لغوياً مختلفاً لا يوجد لدينا من يتذوقه.
وسابع هذه الأخطاء هو استخدام الوسيلة الخطأ فى الوصول إلى الجمهور العام.. إذ يركز هؤلاء المرشحون ويتبارون فى استخدام التكنولوجيا الحديثة، ظناً منهم أنه ما دامت هذه الوسائل قد نجحت فى الولايات المتحدة على سبيل المثال فى الانتخابات الأخيرة، فسوف تكرر نجاحها فى مصر.. بغض النظر عن اختلاف بنية المجتمع، وخصائص الأفراد.. لذلك حق عليهم وصف البعض لهم بأنهم مرشحو «العوالم الافتراضية».
ثامن هذه الأخطاء هو التركيز على فكرة «التعاطف مع الخاسر» Underdog Effect فى الإشارة إلى أن الأفراد أحياناً يتعاطفون مع الفريق الخاسر أو الضعيف نكاية فى المنتصر، ورغبة فى التقليل من شأنه.. غير أن الدراسات العلمية تشير، كذلك، إلى أن هذا التأثير هو تأثير مؤقت، وأن الناس تميل فى الغالب إلى فكرة «اللحاق بالفائز» والتوحد مع الأغلبية Bandwagon.
تاسع هذه الأخطاء هو الإفراط فى استخدام الكليشيهات المحفوظة أو غير ذات الدلالة، أو المستوردة بحيث لا تتناسب أو تتوافق مع معطيات المجتمع المصرى.. فشعار «التغيير»: «نعم نحن نستطيع» الذى طبقه أوباما فى حملته كان يركز على أبعاد وجوانب أخرى لا تنطبق على الحالة المصرية.. وإلا كان الأولى أن نستعير شعار حملة بيل كلينتون «إنه الاقتصاد يا غبى» باعتباره يركز على أبعاد حياتية محددة للمواطن.. والتركيز على فكرة التغيير على ما أشرنا فى بداية المقال دون تحديد ماهية هذا التغيير وآلياته يجعل هذا الاستخدام خالياً من أى معنى.
عاشراً وأخيراً، شخصنة المواقف والأحداث، وإضفاء طابع شخصى على كثير من جوانب هذه العملية.. صحيح أن هذا الاتجاه يقرب الحدث من الجمهور، ويجعله متابعاً ل«المباراة»، ولكن هذا الأسلوب يتسبب فى تسطيح القضايا المثارة، وتفريغها من مضامينها الحقيقية، وهو ما أشارت دراسات علمية كثيرة إلى خطورته.
وما أود الإشارة إليه، نتيجة لهذا التحليل، هو أن أصحاب النوايا بوقوعهم فى هذه الأخطاء وغيرها، يجعلوننا لا نأخذ إعلانهم بالجدية الكافية، ويجعلوننا نشك فى نواياهم الحقيقية، إذ ليس معقولاً أن يتم التخطيط لهذه المعارك الكبرى بهذه الأساليب والممارسات غير الاحترافية.
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.