قبل نحو أسبوعين، نشرت وكالة «رويترز» تقريراً لافتاً عن التعامل المصري مع الأزمة الليبية تضمن رواية مهمة لمسؤولين في جهاز الأمن الوطني عن التفكير قبل بضعة أشهر في «شن هجوم عبر الحدود في محاولة لسحق المتشددين في ليبيا». الواضح أن القيادة تراجعت لاحقاً عن هذه الفكرة المدفوعة بمخاوف من تهديد الجماعات المسلحة المتعاظمة قوتها في ليبيا، خصوصاً أن التقرير نفسه تضمن نفياً من مسؤول عسكري لوجود خطط لهجوم عبر الحدود. بُث هذا التقرير قبل أيام من هجوم الفرافرة الإرهابي الذي جاء ليؤكد مشروعية المخاوف المصرية من تدهور أوضاع الجارة الغربية، مع ترجيح تسلل المنفذين عبر الحدود. ثم جاءت التطورات الميدانية الأخيرة في ليبيا لتعزز هذه المخاوف، خصوصاً أن انتصارات الإسلاميين تركزت في الشرق. فبعد خسارة حزب «العدالة والبناء»، الذراع السياسية لجماعة «الإخوان»، الانتخابات الليبية البرلمانية الأخيرة، نظمت أطياف الإسلاميين المتنافسة نفسها في تحالف تكتيكي لخوض معركة أطلقت عليها عملية «فجر ليبيا» في مواجهة «عملية الكرامة» التي يقودها اللواء المتقاعد خليفة حفتر. حقق الإسلاميون تقدماً كبيراً في معاقلهم التقليدية في شرق ليبيا ونجحوا في السيطرة على معسكرات رئيسية لقوات حفتر وميليشيات «الصاعقة» المتحالفة معه، قبل أن تعلن فرض هيمنتها بالكامل على بنغازي. أما في غرب البلاد، فحالت ميليشيات مدينة الزنتان المتحالفة مع حفتر دون تقدم الإسلاميين. كرّست سيطرة الإسلاميين على الشرق الليبي الأقرب إلى الحدود المصرية مخاوف القاهرة المشروعة من تحملها فاتورة هذه التطورات، خصوصاً أن جاريّ ليبيا القلقين في الجزائر وتونس لا يواجهان تهديداً آنياً مباشراً بالحدة نفسها. أضف إلى هذا أن المنتصرين الجدد في الشرق، وبينهم أطراف مرتبطة بتنظيم «القاعدة» مثل جماعة «أنصار الشريعة»، سيحظون بحرية حركة مضاعفة بطول الحدود الممتدة لأكثر من ألف كيلومتر، في ظل غياب شريك في حماية الحدود من الجانب الآخر. يؤكد هذا كله أن مصر لا يمكن أن تكتفي بدور المشاهد. لكنها في الوقت نفسه لا يمكنها خوض مغامرة تعمق تورطها في الصراع الدائر، سواء عبر تجاوز حدود الدعم السياسي لخصوم الإسلاميين أو إحياء خطط التدخل العابر للحدود التي تحدث عنها مسؤولا الأمن الوطني في التقرير المشار إليه في بداية المقال. صحيح أن الخيارات صعبة والمعادلة محيرة. ولا قرارات بديهية أو إجابات قاطعة عما ينبغي على مصر فعله. لكن المؤكد أيضاً أن الانغماس في صراع ليبي - ليبي مفتوح رفاهية لا تملكها مصر بأبسط حسابات الجغرافيا. هذه الحسابات يزيدها تعقيداً تعذر الحسم في حرب الميليشيات المتصاعدة منذ سقوط نظام معمر القذافي. وحقائق التجربة الميدانية الليبية تقول إن انتصارات الإسلاميين الأخيرة جزئية ومؤقتة بانتظار حسم انتماءات ميليشيات قبلية بقيت على الحياد حتى الآن قد ترجح كفة أحد الطرفين. تستوجب هذه السيولة المزعجة والصعوبة الكبيرة لانتصار أي طرف بالضربة القاضية على الأرض، أن تحقق القاهرة توازناً صعباً بين معركتها الداخلية مع «الإخوان» ومصلحتها في توصل الأطراف الليبية المتحاربة إلى تسوية سياسية تحقق استقراراً نسبياً تحتاجه مصر بشدة على حدودها الغربية. الرغبة في خوض معركة رسالية مستحيلة لحصار الإسلاميين إقليمياً تحميل لأمن مصر القومي فوق طاقته. والاستسلام لأوهام دور «مُخلِّص» المنطقة من «الإخوان» لا ينبغي أن يكون على حساب الوظائف الأساسية للدولة، خصوصاً حماية الحدود. وهذه الحماية لا تكون فقط بالوسائل العسكرية والمخابراتية، على أهميتها، بل أيضاً بتحرك سياسي سريع لمنع «صوّملة» كاملة لليبيا لن تكون مصر بمأمن من تبعاتها، كما يخبرنا الهجوم الإرهابي في الفرافرة. تويتر: @mohamedhani اشترك الآن لتصلك أهم الأخبار لحظة بلحظة