بعد أكثر من ثلاثة عقود من العمل التدريبي في إيطاليا، اختار المدرب الإيطالي ألبرتو زاكيروني في 2010 أن يهجر بلاده ويرحل إلى أقصى الشرق ليدرب المنتخب الياباني لكرة القدم. وأصبح زاكيروني مثالًا واضحًا على ما يطلق عليه الإيطاليون مصطلح «العقول المهاجرة» أو «الهاربة» إشارة لهؤلاء الذين يقررون ترك بلدانهم بحثا عن العمل في أراض أجنبية. ولكن لسوء الحظ، لم تعد هذه العقول المهاجرة في إيطاليا من المهاجرين الفقراء، وإنما أصبحت من المحترفين المتميزين في مجالات شتى والذين يحققون النجاح سريعًا وينالون الشهرة والأضواء بشكل هائل من خلال العمل خارج بلدانهم. ويمثل زاكيروني نموذجًا بارزا على هذا، علمًا بأنه ليس أول مدرب إيطالي يهجر بلاده للتدريب في الخارج حيث أنهى مواطنه المدرب العجوز جيوفاني تراباتوني مؤخرًا فترة عمل طويلة مع المنتخب الأيرلندي امتدت عبر خمس سنوات كما يتولى المدرب الإيطالي الآخر فابيو كابيللو حاليًا تدريب المنتخب الروسي وذلك بعد عمله سابقا في تدريب المنتخب الإنجليزي. وشهدت السنوات الماضية وحتى الآن عمل مدربين آخرين من إيطاليا مع أندية خارج بلادهم ومنهم كارلو أنشيلوتي ومارشيلو ليبي وروبرتو مانشيني، وكانت هذه أدلة واضحة تفسر سبب تراجع مستوى الكرة الإيطالية في السنوات الماضية. وحقق زاكيروني، صاحب ال61 عامًا، سجلًا رائعًا مع المنتخب الياباني «محاربو الساموراي» حتى الآن لينال شهرة فائقة حيث توج معه بلقب كأس آسيا في 2011 ثم بكأس أمم شرق آسيا في العام الماضي قبل أن يقود الفريق إلى حجز مقعده في نهائيات كأس العالم 2014 بالبرازيل لتكون المشاركة الخامسة للفريق في النهائيات. وكان اللقب الذي أحرزه الفريق في 2011 بقطر هو الرابع لليابان في بطولات كأس آسيا، وأدى هذا اللقب إلى دعوة زاكيروني لحفل استقبال أقامه الإمبراطور الياباني أكيهيتو ليكون تكريمًا فريدًا في هذا البلد الذي يعرف بأنه بلد «الشمس المشرقة». وفي إيطاليا، يحظى زاكيروني أيضًا باحترام هائل، نظرًا لكونه مدرب محترف يحظى بالكياسة والحديث اللطيف والاحترافية العالية. ولهذا، لم تكن مفاجأة أن يعشق زاكيروني السلوكيات المهذبة التي تشتهر بها اليابان. وصرح زاكيروني، إلى وسائل الإعلام الإيطالية، قائلًا «في اليابان، احترام الآخرين أمر لا نظير له»، موضحًا أن اليابانيين يتعلمون هذا منذ الطفولة، وقال «ترى هذا في تفاصيل التعامل، حتى إذا كانوا يريدون فقط تغليف قطعة حلوى صغيرة، فإنهم يفعلون هذا بحماس وشغف وتركيز في تحقيق الهدف». كما قال زاكيروني إنه سيعود إلى إيطاليا في وقت ما بينما يتردد الجدل كثيرا حول كونه المرشح لخلافة تشيزاري برانديللي في تدريب المنتخب الإيطالي «الآتزوري»، علما بأن برانديللي سيستمر في قيادة الفريق حتى 2016 . ولكن مسيرة زاكيروني مع المنتخب الياباني قد تمتد لسنوات مقبلة إذا نجح في قيادة الفريق لعبور الدورين الأول «دور المجموعات» والثاني «دور الستة عشر» في بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل ليتجاوز بهذا ما حققه الفريق في بطولتي كأس العالم 2002 بكوريا الجنوبية واليابان و2010 بجنوب أفريقيا. وخلال مسيرته التدريبية في إيطاليا، فاز زاكيروني بلقب الدوري الإيطالي في 1999 مع فريق ميلان الذي أقاله في مارس 2001 قبل نهاية موسمه الثالث مع الفريق وذلك بعد خروج الفريق من مسابقة دوري أبطال أوروبا. كما كانت لزاكيروني فترات ناجحة بدرجة أقل في تدريب لاتسيو وانتر ميلان وتورينو ويوفنتوس. وباستثناء تورينو، بدأ زاكيروني عمله مع كل هذه الفرق في منتصف الموسم كما ظل بلا عمل في الفترة من 2004 إلى 2006 . ويأتي زاكيروني ضمن ثلاثة مدربين إيطاليين يخوضون بطولة كأس العالم 2014 بالبرازيل حيث تشهد البطولة أيضا مشاركة مواطنيه كابيللو مع المنتخب الروسي وبرانديللي مع الآزوري. ويعتمد زاكيروني على طريقة اللعب «3/4/3» التي أجاد تطبيقها بشكل هائل مع أودينيزي وفاز من خلالها بالمركزين الثالث والخامس في الدوري الإيطالي قبل توليه تدريب ميلان. وقال زاكيروني: «إذا طبقت هذه الطريقة في اللعب بشكل صحيح، ليست هناك حاجة لوجود حارس مرمى». ويخوض المنتخب الياباني فعاليات الدور الأول للمونديال البرازيلي ضمن المجموعة الثالثة التي يلتقي فيها منتخبات كوت ديفوار واليونان وكولومبيا. وقد يستفيد زاكيروني من خبرته ومعرفته بالكرة الإيطالية إذا صعد بالفريق للدور الثاني في المونديال واصطدم بالآتزوري في مواجهة بين أحد العقول المهاجرة ومنتخب بلاده.
