عندما تقرأ تلك الكلمات يكون عبدالله الشامى، مراسل قناة الجزيرة الإخبارية، قد أكمل 109 أيام ممتنعاً عن تناول الطعام، كل ما يطالب به هو أن تتم محاكمته ويعرف مصيره، إما إلى السجن أو إلى منزله. عبدالله جرى القبض عليه فى 14 أغسطس الماضى بعد فض اعتصام رابعة العدوية. وفقاً لأقواله، فإنه كان هناك بصفته الصحفية لتغطية الاعتصام. النيابة العامة أمرت بحبسه على ذمة التحقيقات التى تجرى فى القضية رقم 15899 لسنه2013 إدارى مدينة نصر أول، بعد أن وجهت له تهمة التحريض على العنف وحمل السلاح ومقاومة السلطات. وفقاً للقانون يتم عرضه على إحدى دوائر محكمة الجنايات لتجديد حبسه إن رأت توافر شروط الحبس الاحتياطى أو الإفراج عنه. عبدالله الشامى وزملاؤه أبرياء حتى تثبت إدانتهم فى محاكمة عادلة، هذا بالضبط ما يطالبون به ولا يستطيعون الحصول عليه. فى كل مرة يجرى عرضهم على المحكمة لا يتم سماع أقوالهم أو دفاع محاميهم. تصر الدائرة التى تنظر تجديد الحبس على ألا يترافع أمامها إلا أربعة محامين فقط عن كل المتهمين الخمسمائة، حين يصر المحامون على أن يترافعوا جميعا، كل عن المتهم الذى وكله، ترفض المحكمة وتأمر بتجديد حبس المتهمين دون أن تسمع أقوالهم. قانون الإجراءات الجنائية ينص على أن يصدر قرار الحبس الاحتياطى مسبباً تسبيباً كافياً، لا يحدث هذا. فى القضية نفسها هناك صحفى اسمه محمود عبدالشكور، وهو مراسل لوكالة ديموتكس الإخبارية، وهى وكالة صحفية إنجليزية، الفرق الوحيد أن محمود عبدالشكور لم يضرب بعد عن الطعام. لا نناقش هنا الاتهامات الموجهة إلى أى متهم فذلك مكانه قاعات المحاكم، ولكننا نسأل عن العدالة فى أن يظل المتهمون قرابة العام محبوسين احتياطيا على ذمة قضية دون أن يقدموا إلى محكمة تحكم لهم أو عليهم فى الاتهامات الموجهة إليهم. يرجع تاريخ القضاء المصرى إلى عام 1883، وهو بذلك واحد من أقدم النظم القضائية الحديثة فى العالم. أقام القضاء المصرى العظيم سمعته على أحكام هى الأهم فى مجال الدفاع عن الحقوق والحريات. يحفظ التاريخ أسماء قضاة مصريين عظام لا تبدأ بعبدالعزيز فهمى باشا ولا تنتهى عند ممتاز نصار وسعيد العشماوى ووجدى عبدالصمد ويحيى الرفاعى، القائمة تطول. رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه. سمعة القضاء المصرى وحيدته واستقلاله على المحك. ينصر الله الدولة العادلة وإن كانت كافرة، ويمحق الدولة المؤمنة الظالمة. النائب العام فى مصر هو قاض، والنيابة العامة ليست جهة ادعاء، لكنها جهة بحث عن الحقيقة، وهى تبحث أدلة البراءة بنفس الحماس الذى تبحث فيه عن أدلة الإدانة، هكذا تعلمنا، هكذا نتوقع. إما أن تفرجوا عن المحبوسين احتياطيا أو تقدموهم إلى قضاتهم أو على الأقل اسمعوا دفاعهم. الصحفيون فى النهاية يحملون رسالة، ارفضوا الرسالة.. تجاهلوها، ولكن لا تقتلوا الرسول.