بالتفتيش في دفتر أحوال مصر أثناء الثورة ظهر وجود فئة عريضة من المجتمع أضمرت سخطها على ما حدث , وهم أولئك الذين يصرخون حاليا قائلين أن البلد في طريقها للفوضى وهم من رفعوا ويرفعون شعارات الأسف والتهليل لكل شخص من المحتمل أن يعود بالبلد للمربع صفر بداية من مبارك ثم عمر سليمان ثم أحمد شفيق وأتوقع أن رجلهم القادم هو جمال مبارك أوعلاء مبارك , وسوف يجدون أي ذريعة لترشيح أحدهم للرئاسة مَن هؤلاء الناس وكيف لا يرون الحقيقة الدامغة ولماذا يحاربون الثورة ؟ أنا أعرفهم جيدا مصر بالنسبة لهم كانت جنة وارفة , يتولون مناصب أو وظائف ممتازة توفر لهم فلوس ممتازة ويدخلون أبنائهم مدارس ممتازة ويقفزون ويمرحون ويلعبون دون قلق . لم تكن تصادفهم مشاكل واضحة في حياتهم اللهم إلا مشكلة المرور وازدحام الطرقات وكان مثار انزعاجهم قضاء وقت طويل في الانتقال من مكان إلى آخر. حين يريد أحدهم تخليص معاملة حكومية سخيفة فإنه لا يقف في تلك الطوابير المملة التي يقف فيها الشعب بل يقوم بالإتصال بأحد معارفه لتخليص كل شيء لقد كانت العلاقة مع مسئول كبير أو ضابط هدفا للكثير منهم لينتصر على الآخرين ويصبح أعلى منهم مقاما هذه الفئة اعتبرت نفسها أعلى من البشر ولم تكن لتطرف عينهم لترى الآخرين ممن يُضطهدون ويُعذبون ويُذلون , ولم يعنهم في شئ الفقر السافل الذي يعاني منه أغلب الشعب , واعتبروا أن ما يحصلون عليه من امتيازات هو نتيجة لذكائهم في صنع صداقة مع شخص من المرموقين بينما باقي الناس الذين لم يفعلوا مثلهم أغبياء وفاشلين والآن ما الذي سيحل بهم؟ من المتوقع أن ينزلوا إلى الطوابير ويسيروا في الشوارع ويختلطوا بالشعب وقد تنكشف امتيازاتهم غير الشرعية , لن يعودوا أسيادا ولن ينظروا إلى الناس من فوق من هنا يكافحون للعودة إلى ما سبق ... راقب معي هلعهم من التغيير واصرارهم على عودة الاستقرار والخوف من الفوضى كأن البلد لم تكن في فوضى طوال ثلاثين عاما ... كأننا كنا ننعم بالحرية والديمقراطية واحترام حقوق الإنسان لم يلاحظوا – عمدا أو بنية طيبة - أن الثورة المصرية تحتاج قوة دافعة لتكتمل وتصبح بالفعل مصدر إلهام للعالم ... لم يأسفوا على الشهداء الذين ضحوا بحياتهم من أجل التغيير االشامل .. لم يغيروا آرائهم رغم كل ما ينكشف من الفساد الذي سيطر على مصر أفهم – إذا كانت نيتهم طيبة – أن يصمتوا وينتظروا النتائج أو يعبروا عن رأيهم دون تشكيك وتخويف ودون تهليل لرموز لا يوجد شك في فسادها لكن يحز في نفسهم خسارتهم الجنة الوارفة التي كانوا يعيشون فيها وشبكة العلاقات التي كانت توفر لهم الاستعلاء على الآخرين والنظر لهم من فوق مصر تحتاج لك وتحتاج إلى رأيك وإلى فعلك فقط لا تضيع الثورة بسبب مصلحتك الشخصية