تسليط الضوء على الانتخابات الرئاسية، لا ينبغى أن يبعد اهتمامنا عن الانتخابات البرلمانية أيضا، خاصة أنه يتم حاليا إعداد قانون مجلس الشعب، وتحديد النظام الانتخابى الأفضل الذى سيتم الاستقرار عليه، وعلينا أن نضع فى اعتبارنا عددا من النقاط التى يجب أخذها فى الاعتبار، إذا كنا جادين فى استكمال خطوات التحول الديمقراطى وترسيخ دعائم الدولة الوطنية الدستورية الحديثة. قبل الخوض فى مناقشة اقتراحات الأحزاب والقوى السياسية لابد أن نضع فى اعتبارنا أنه فى ظل نظام سياسى لا تشارك فيه النساء والرجال بشكل متكافئ فى صناعة السياسات واتخاذ القرارات، لا يمكن الحديث عن تحول ديمقراطى حقيقى وبناء دولة المؤسسات، ونظرا للدور البارز الذى قامت به المرأة فى ثورة 25 يناير، والذى تعاظم فى 30 يونيو والاستفتاء على الدستور فى يناير الماضى باعتراف الجميع بمن فيهم مرشحا الرئاسة، آن الأوان لكى تجنى المرأة المصرية ثمار هذه المشاركة الإيجابية، اعترافا بحقوقها المسلوبة، وتعويضا عن الانتهاكات التى تعرضت لها على مدى عقود سابقة. حتى كتابة هذا المقال لم تنته لجنة تعديل قوانين الانتخابات البرلمانية من صياغة أى من النظام الانتخابى الأمثل، ولاتزال المناقشات والمشاورات مستمرة مع القوى السياسية والمنظمات النسوية والسياسيين وبرلمانيين سابقين. وليس بجديد الإشارة إلى أن نظام الانتخاب الفردى فقط يرسخ من أخطاء الماضى وإرثه فى دعم رأس المال وإقصاء المرأة والأقباط والشباب، بل سيعمل على عودة بعض الرموز القديمة التى تلوثت بالفساد وإراقة الدماء، ولا يضع برامج وسياسات المرشح فى بؤرة الاهتمام، وإنما تتجه الأنظار إلى رأس المال وعوامل أخرى محيطة أبرزها التعصب القبلى والدينى. ونحن كأعضاء فى الاتحاد النوعى لنساء مصر والمجلس القومى للمرأة اجتمعنا مؤخرا مع لجنة تعديل قانون الانتخابات، وأكدت المناقشات ضرورة إلزام الأحزاب السياسية وإجبارها على وضع المرأة فى مقدمة القوائم، وضرورة إعادة تقسيم الدوائر ومراعاة أن يكون مرضيًا لكل الفئات، والأهم بالنسبة لى هنا ليس فقط وضع المرأة فى القوائم، فتجربتى العملية السابقة كشفت عن التزام عدد كبير من الأحزاب بوضع المرأة فى القوائم ولكن فى ترتيب متأخر، وهو ما ساهم فى عرقلة وصولها للبرلمان، ومن ثم لابد من إجبار الأحزاب على وضع المرأة فى مقدمة القوائم وأن تكون الأسماء فى القائمة تبادلية بين الجنسين، أو وضع سيدة فى أول ثلاثة أسماء بكل قائمة من أجل تمكين المرأة وضمان نجاح عدد مناسب من السيدات. ومن واقع خبرتى الشخصية ومشاركتى فى انتخابات برلمانية سابقة، كان لى فرصة النجاح فى انتخابات مجلس الشعب فى 2010 ضمن نسبة الكوتة بالرغم من اعتراضى عليها، ولكن المشكلة كانت فى أمور أخرى، فتخصيص كوتة للمرأة ليس هو غاية المراد، وإنما توفير بيئة تشريعية وثقافية ومجتمعية تساعد المرأة على أن تصل إلى البرلمان بشكل متكافئ. فالمرأة المصرية لم تحصل حتى الآن على الحد الأدنى من حقوقها المدنية، ورغم مشاركتها الإيجابية وتلبية نداء المجتمع نحو الاستقرار واستكمال خطوات خارطة الطريق، لا يزال التهميش من نصيبها، والإقصاء والاستبعاد أبرز ما تتعرض له من مؤسسات صناعة القرار، وأهمها البرلمان، واحتلت وضعا متدنيا بين دول مجاورة، وبدون احترام حقوق المرأة فى مصر سنظل فى ذيل الدول المحترمة التى تؤمن بدور المرأة، فلم تعد مصر تتراجع دوليا بسبب هذا الأمر، بل كذلك تراجعت عربيا، وبنظرة سريعة سنجد أن المرأة المغربية تتمتع بنسبة 30% من إجمالى أعضاء البرلمان، والمرأة الأردنية 20%، والمرأة التونسية 35%، والمرأة الجزائرية 30%. صوت المرأة أصبح له قوة الحسم فى أى عملية انتخابية، وعليها دور مهم فى مستقبل مصر الجديدة كما نريدها، ولكن استمرار الإقصاء المتعمد وعدم تفعيل النص الدستورى الذى يسمح بتمثيل مناسب للمرأة بتدخل تشريعى عاجل وملزم، سيطرح خيار المقاطعة حتى ولو كان هذا صادما للمجتمع، فالمرأة خط الدفاع الأخير فى حماية تراث الدولة المدنية الحديثة! * برلمانية سابقة وأستاذة العلوم السياسية