أرى في الأفق سحابة سوداء من الغل والكبر والإفك والتضليل, رائحتها تزكم الأنوف التواقة لاستنشاق هواء نظيف، ويبدو أن هذا النقاء لن يأتي أبدا, كل الشواهد تشي بما لا يدعو للتفاؤل بغد مضيء بعد إظلام سنين, نحن لا نستحق اللحظة التي باتت مواتية لممارسة حريتنا, اللحظة التي اقتربنا فيها من تحرير إرادتنا من عبوديتها الطوعية, وكأننا نرفض عتقها بعد أن اعتادت أن تداس بالأقدام كل يوم. في المشهد العام استقر اليقين على قطبين في حلبة الصراع على كرسي الرئاسة, المتيم بالسيسي شغفا وحبا وعاطفة لا يعترف بالعقل والمنطق, والحالم المنظّر الذي يرى في حمدين رسولا للفقراء يبعث من جديد, في زمن نضب فيه الثوار الحقيقيون، (على غرار تشي جيفارا الذي سخر حياته وإمكاناته دفاعا عن عقيدته الثورية المنحازة للفقراء والمقهورين), وفى كلتا الحالتين هناك سحابة سوداء يكسوها إظلام الرؤية لمستقبل واعد, يتجرد من دوافع مرهونة بحسابات خاصة بمنأى عن حسابات الوطن الخالصة من أي أهواء أو مصالح. في لعبة السياسة كل شيء مباح؛ فالغاية تبرر الوسيلة, وعدو الأمس هو صديق اليوم وحليف الغد, لا تخضع لمعايير الموضوعية العلمية, بل تخضع للأهواء والارتجال, وهنا تكمن الكارثة فلا صوت يعلو فوق صراخ المدافعين عن قناعاتهم ووجهة نظرهم وليذهب الباقون إلى الجحيم, وإلا فلماذا تتصاعد الاتهامات بين حملتي مرشحي الرئاسة المشير عبدالفتاح السيسى وحمدين صباحى, وانتقلت المنافسة من مرحلة المناوشات اللفظية إلى أقسام البوليس وتحرير المحاضر وسط اتهامات متتالية من حملة صباحي بالاعتداء عليها من قبل حملة المرشح المنافس المشير السيسي. أنصار صباحي يرددون الهتافات المعادية للسيسي, وأنصار السيسي يبادلونهم السباب بالسباب, ويتيمنون بما يصدر عن مرشحهم فيستقلون الدراجات قائلين: «إحنا جينا النهاردة بالعجل علشان نؤكد على دعمنا للسيسي في أي حاجة, يركب عجل هنركب عجل زيه, يمشي على رجليه هنمشي على رجلينا». ليس هناك اعتراض على طريقة التعبير عن الحب الجارف الذي يكنّونه للسيسي, ولكن هذا الحب الأعمى يجُبّ فى طريقه تفاصيل ربما تدخل السيسي نفسه في نفق مظلم من الانتقادات وخيبة الأمل عند أول منعطف, الحب الأعمى لا يرسم خريطة استقرار أو برنامج عمل, لأنه مدفوع بالعاطفة العمياء التي لا ترى إلا تحت قدميها, تماما مثلما حدث في حركة تمرد من انشقاقات وتباينات منهجية- وهي التي لمت شمل الجماهير التي خرجت ملبية دعوتهم بإجماعهم على كره نظام حكم الإخوان- انقسموا إلى فريقين: فريق مؤيد للسيسي وآخر لحمدين, فكادت في لحظة فارقة أن تفرط عقد الوحدة والثقة التي منحهتا الجماهير لهم والتي ساندتهم ودعمت وجودهم. ربما يكون مبررا إعلان أنصار الإخوان الحرب على حملة السيسي بإحراق المقار تارة, وشن هجمات إلكترونية ضارية وإشعال حرب الشائعات ضده تارة أخرى, فهم غير كونهم يناصبون الرجل العداء يجيدون هذا النوع من الحروب, لكن من غير المبرر هذا الهجوم الحاد بين حملتي المتنافسين والتشكيك كل في الآخر دون الارتقاء إلى حوار متحضر يتوجه بروح تنافسية شريفة يغلب عليها لغة العقل ويفرضها المنطق. لماذا تتحول صورة التنافس بين الحملتين إلى حرب ضروس تكيل الاتهامات وتتخذ من التشهير والتشكيك طريقا للنجاح, في ظروف حرجة مطلوب فيها إعلاء قيمة التنافس النزيه لدرء شرور كثيرة لا ناقة لنا فيها ولا جمل؟ لماذا لا تترفع الحملتان عن الخوض فى الأعراض والتفتيش في النوايا واستبطان ما لم يحدث بعد؟ لماذا هذا الكم الهائل من السخط والتضليل الذي يشتت الجهود ويعكر صفو النفوس؟ فهذا الغل الواضح في أداء الحملتين لن يصب إلا في مصلحة الإخوان التي تريدها حربا مستعرة تأتي على كل شيء, ولن يكون هناك كاسب سواهم ونحن جميعا خاسرون.