ابن بلد، ولد في الكحكين بالدرب الأحمر، ورحل 21 فبراير 1985.. شجاع وطيب وخجول لما يشوف واحدة مايرفعش عينه فيها.. يغني المونولوج لنقد عيوب المجتمع.. لا يمانع في خدمة وطنه بفنه. اسمه شكوكو، لتقليده صوت الديوك وهو صغير أو ربما من جزيرة يابانية تحمل نفس التعبير، كما تحكي الكاتبة البارزة، سناء البيسي، على صفحات «الأهرام». عرفه المصريون ب«الأراجوز»، حيث يقدم نفسه لهم بجلباب له ألوان زاهية وطاقية وعصا يستخدمها في فقراته الفنية، التي بدأها مع أول أثير للإذاعة المصرية، عام 1934، فخطف أسماعهم لدرجة أن حضور حفلته ظلوا يرددون «عاوزين شكوكو.. عاوزين شكوكو»، فاستجاب لهم، وكان الوحيد، الذي غنى المونولوج مرتين على الهواء مباشرة عبر الإذاعة. في فترة حكم الملك كان محظور على المصريين قيادة سيارة حمراء اللون، وبعد حفلة في بريطانيا العظمى أحياها شكوكو، عاد رائد فن المونولوج إلى القاهرة بسيارة ماركة «رالي» لونها أحمر بمقعدين وبلا سقف، لكن جمارك الإسكندرية منعته من الدخول. واستغاث شكوكو، المولود يوم عيد العمال 1912، بمصطفى باشا النحاس، آنذاك، كي يطلب من الملك السماح له بدخول سيارته، فما كان من «فاروق» إلا أن لبى مطلبه، تقديرًا لشهرته وفنه، قائلًا: «محمود شكوكو بس اللي يركب عربية حمراء». نال شكوكو، الذي ظل يعمل بالنجارة، التي ورثها أبًا عن جد، تكريمًا من الرئيس الراحل، محمد أنور السادات، إبان فترة حكمه، في عيد الفن، بعد خدمته لمصر سواء ضد الاحتلال الإنجليزي أو بالمشاركة في المجهود الحربي عقب نكسة 1967. ففي فترة الرئيس الراحل جمال عبدالناصر، عمل على تقديم مسرح مكشوف يتجول في كل المحافظات بواسطة سيارة لوري استأجرها لخدمة المجهود الحربي، عقب نكسة 1967. وتعود فصول قصة خدمته لمصر أيضًا لأيام الاحتلال البريطاني، ويحكيها الناقد طارق الشناوي بصحيفة «الشرق الأوسط» اللندنية، فيذكر أنه في مطلع الأربعينات غنى شكوكو من تلحين محمد عبدالوهاب «يا جارحة القلب بقزازة.. لماذا الهجر ده لماذا؟»، وحقق بها شهرة طاغية وامتلك مشاعر الناس حتى أنهم أطلقوا عليه شارلي شابلن العرب، وصارت ملامحه أيقونة للمصريين عندما يريدون أن يتفاءلوا بالحياة ويضحكوا للدنيا. لدرجة أن المعجبين به صنعوا له تماثيل خاصة بزيه التقليدي الجلباب والزعبوط والعصا، ولم يكن ثمن الحصول على التمثال عملة نقدية كما هو متعارف عليه ولكن كانت الوسيلة أكثر بدائية، وهو ما يطلق عليه في علم الاقتصاد المقايضة، أي أن الناس تحصل على التمثال مقابل زجاجة مياه غازية فارغة. وفي رواية «الشناوي» عرف الشارع المصري نداء صار لصيقا به وهو «شكوكو بقزازة»، حيث كانت الناس تحصل على التمثال وتستبدله بتلك الزجاجة، والمفروض في الأحوال العادية أن تعاد هذه الزجاجات إلى الشركة لتعيد تعبئتها ويحصل بائعها على نقود، ولكن المفارقة هي أن رجال المقاومة من الفدائيين المصريين أثناء مناهضة الاستعمار البريطاني في تلك السنوات كانوا يلجأون إلى هذه الحيلة ويستحوذون على تلك الزجاجات ويضعون بداخلها المولوتوف لإلقائها على معسكرات الإنجليز لإجبارهم على الرحيل. وبالفعل كانت الضربات موجعة للعدو، ولم يدر شكوكو أنه بتمثاله صار رمزا للبطولة وملهما للفدائيين، وعندما تناهى إلى سمعه تلك الخطة ازداد تشبثا بموقفه الوطني، فلم يتراجع أو يتبرأ من هذا الفعل الذي كان من الممكن أن يؤدى به إلى حبل المشنقة أو القتل رميا بالرصاص، بتهمة الخيانة العظمى. وأنهى «الشناوي» سرده، بقوله: «تلك هي علاقة الثقافة المصرية بزجاجة المولوتوف، التي نلقيها فقط على من يغتصب الأرض». وأغنية «يا جارجة القلب بقزازة» لحنها عبدالوهاب لشكوكو، معجبًا بصوته، الذي تقدم به لطلب يد ليلى مراد في أوبريت «كلام جميل»: من ناحية قلبى ونار قلبي واتحب بموت وحبيبى لو غاب يوم عني أرقع ميت صوت بلدى ومدردح وإذنجى واكسب جنيهات واعمل م الفول والطعمية أربع عمارات ندرٍ علي لو قلتي أيوة لأخلّي روحي فى إيديكى شمعة وافرش عيني في كل خطوة تمشي عليهم والشمعة والعة. وقتها تحدث عبدالوهاب إلى «نجار المولوتوف»، مداعبًا إياه، بقوله: «صوتك فيه بحة عاجباني، وعاوز ألحن لك حاجة تانية»، فاستجاب له شكوكو مقدمًا له كلمات أغنية «يا جارحة القلب بقزازة».