أمر صعب أن تكتب عن زميل لك، والأصعب أن تكون هناك علاقة من نوع ما جمعتكما معا من قبل، ولكن الحقيقة تستدعى المصارحة والمكاشفة سيرا على الحكمة العربية، التى تقول «صديقك من صدقك لا من صدَّقَك»، ومن أريد أن أكتب عنه هو زميلى أحمد المسلمانى المستشار الإعلامى لرئيس الجمهورية المؤقت، لن أتناول أهليته لتناول المنصب، أو دوره السياسى الذى يستفحل على حساب الدور الإعلامى المنوط به، ولن أذكر أن كافاريللى، الذى كان مستشارا إعلاميا للرئيس الأمريكى، بيل كلينتون، لم يصرح ولو لمرة واحدة لوسائل الإعلام مثله مثل كل المستشارين الإعلاميين، الذين يعملون بجانب كبار المسؤولين، الذين يقتصر دورهم على استشارات حول تعامل الرئيس مع الإعلام، ويصوغون له الخطابات أحيانا، ويكتبون البيانات الإعلامية دائما، أما التصريحات فالمسؤول عنها هو المتحدث الرسمى، الذى يختلف دوره جذريا عن المستشار الإعلامى. كل ذلك ليس هو الموضوع، وإنما أن يكتب مستشار الرئيس مقالات صحفية فهذا حقه، ولكن ما ليس من حقه هو أن تبث هذه المقالات عبر وكالة أنباء الشرق الأوسط، وهى الوكالة الإخبارية الرسمية. فهذا السلوك إشارة سيئة أن مصر فى سبيلها إلى العودة لعصر الحشد الإعلامى والصوت الواحد الأوحد. فحتى فى مصر الناصرية التى كان فيها الإعلام مملوكا للدولة وللسلطة كتابها الرسميون لم تنقل وكالة أنباء الشرق الأوسط مقالات محمد حسنين هيكل، ولا فتحى غانم، ولا حتى أنور السادات، أو صلاح سالم، وإنما كان بعضها فقط تتم قراءته فى إذاعة صوت العرب. فهل نقل الوكالة مقالات «المسلمانى» يعنى أنها تمثل الرأى الرسمى للدولة؟ وهل لو اختلف معه كاتب آخر أو حزب سياسى هل تنقل الوكالة مقالات هذا الكاتب أو الحزب؟ وهذا الرأى لو كان رسميا فهل يعبر عن «المسلمانى» أم عن الرئيس عدلى منصور؟. وحسنا فعلت الصحف القومية عندما لم تعتبر أن نقل وكالة أنباء الشرق الأوسط المقالات بمثابة أمر علوى بنشرها، ولكن ما لم أستطع أن أستوعبه هو أن تنشر المقالات فى أكثر من صحيفة خاصة فى نفس اليوم، وكأنها فتح عظيم فى عالم الكتابة مع أنها من وجهة نظرى متواضعة المستوى من حيث القيمة الصحفية والفكرية، و«المسلمانى» نفسه كان يكتب أفضل منها قبل أن يتولى منصبه. فهل الصحف الخاصة تنشر هذه المقالات مجاملة منها لمستشار الرئيس، أم أنها تعتبرها درراً فكرية عليها أن تتباهى بها وتضع لها إشارة فى الصفحة الأولى؟!. لقد كنا فى السابق نقول إن الصحف القومية هى صحيفة واحدة بأسماء مختلفة، والآن ومع سلوك «المسلمانى» هذا أصبحت الصحف الخاصة هى التى فى سبيلها لأن تصبح جريدة واحدة بأسماء مختلفة. أدرك أن الزميل أحمد المسلمانى لا يهدف العودة بنا إلى الوراء مرة أخرى، وهو يرسل مقالاته إلى وكالة أنباء الشرق الأوسط، وأدرك أنه لا يريد أن يورط مؤسسة الرئاسة فى آراء شخصية له، وأدرك أنه يمكن أن يراجع مواقفه إذا ثبت له أنها يمكن أن تثير لغطاً أو التباساً، وأدرك أيضا أن عصر الصوت الواحد والحشد الدعائى قد ذهب إلى غير رجعة، وأن وكالة أنباء الشرق الأوسط لها أبناؤها، الذين يدافعون عن استقلالها ومهنيتها، ولكنى أردت فقط أن ألفت الانتباه إلى أمر قد يثير الالتباس، خاصة أن دعاية جماعة الإخوان تقوم على أن مصر تدخل فى عصر ديكتاتورى شمولى جديد، وللأسف فإن مواقف «المسلمانى» تعزز من هذه الدعاية الإخوانية، لأنها تعطى لها مبررات موضوعية يمكن الاستناد إليها، لتأكيد صحة المزاعم، التى تطلقها أبواقهم.